البقاع: المستهدفون مدنيون وأرزاقهم
لوسي بارسخيان تكتب للمدن عن جولة نظمها حزب الله للصحافة في منطقة البقاع لإطلاعهم على الأهداف التي تقصفها المقاتلات الحربية الإسرائيلية، فماذا شاهدوا؟
على خطى الجولة الإعلامية التي نظمها حزب الله في ضاحية بيروت يوم أمس الأربعاء، كان يفترض بجولة مماثلة في منطقة البقاع، الخميس 03.10.2024، أن تشكل فرصة تسمح بمعاينة أضرار العدوان الإسرائيلي المستمر على منطقة البقاع منذ نحو أسبوعين تقريباً. إلا أن الجولة بقاعاً إختزلت بمشاهدات من مواقع إستهدافات الطيران الإسرائيلي بين مساء الأربعاء وصباح الخميس، والتي أراد حزب الله أن يظهر للرأي العام من خلالها، زيف إدعاءات إسرائيل حول تركّز عدوانها على أهداف عسكرية في هذه المنطقة.
عملياً لا نتحدث في البقاع عن مشاهد دمار تعكس حجم الإستهدافات اليومية التي تطال المنطقة منذ بدء توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان وحتى اليوم. فالمساحات الفاصلة بين القرى هنا واسعة جداً، بينما توزعت الغارات على أكثر من بلدة في اليوم، وإن تركزت محاورها على مناطق محددة مثل سحمر ويحمر ومشغرة في البقاع الغربي، الكرك، علي النهري، رياق، حارة الفيكاني، النبي أيلا في البقاع الأوسط، بدنايل، تمنين، سرعين، النبي شيت، وبعض مدن محيط بعلبك الى جانب القرى الحدودية في منطقة الهرمل.
النجاة من كارثة
من كافيتيريا ملاصقة لمستشفى رياق الذي يغص بعدد كبير من الجرحى المدنيين من مختلف مناطق البقاع، إنطلقت الجولة بإتجاه موقع آخر غارة شنها الطيران الإسرائيلي على مبنى في البلدة. وخلافاً لتظاهرة ممثلي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية التي تهافتت على مشاهد الدمار في الضاحية، كادت الجولة بقاعاً تقتصر على مراسلي المنطقة، لولا مشاركة بعثة إعلامية من تلفزيون "الجزيرة".
استهدف الطيران الإسرائيلي في بلدة رياق مساء الأربعاء منزلاً يملكه شخص من آل أحمد كما قيل لنا. إلا أن أضرار الغارة طالت كل المحيط، بحيث نجا القاطنون من كارثة كان يمكن أن تكون أكبر لو أن صهريجي المازوت المركونين في الحارة كانا محمّلين بالمادة، فإقتصرت الأضرار على الماديات.
من بين ما لحق به اضرار كبيرة، مؤسسة تعود لعائلة الأشهب، حيث كان رجل مسن يحاول إزالة كميات الزجاج التي تناثرت من نوافذ مؤسسته. أخبرنا الرجل أن أولاده الذين يعملون في الخارج أسسوا لهم في بلدتهم مطعما مع سوبرماركت كان يشرف على إدارته. ولكنه من دون أي ذنب خسر وأولاده كل شيء بصاروخ واحد إستهدف جيرانه. ليست مؤسسة آل الأشهب ومنازلهم وحدها ما تضرر في هذا المكان، وإنما مؤسسة تبيع مستلزمات التجميل، ووكيل لمؤسسة مالية، ومحل لتصليح الإطارات، هذا بالإضافة الى الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية وأعمدة الكهرباء وبعدد كبير من المنازل والسيارات التي كانت مركونة في المكان.
لم تُعرف الأسباب التي تجعل مرافقة منسقية الإعلام للصحافيين الى مثل هذه المواقع "المدنية" ضرورية، إلا عندما إعترض عملنا شبان ممن ينظرون بعين الشبهة لكل صحافي، من دون أي تقدير للمخاطر التي يتحملها في نقل الصورة، ويتوجسون من أجهزة الخليوي في أيديهم. وهذا في الواقع كان من الأسباب التي حالت في الأيام الماضية دون أداء الصحافيين لمهمتهم بالشكل اللازم، فحُرم البقاع وأهله من نقل صور الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين في هذه المنطقة.
مشاهد مكررة
من محطة رياق المستهدفة، إستكملت الجولة بإتجاه حارة الفيكاني، وسط تراجع لأعداد مراسلي الوسائل الإعلامية الذين تنوعت مهماتهم بين تتبع حركة النزوح المستمرة عبر نقطة المصنع، أو متابعة صحة الإدعاءات الإسرائيلية بإستخدام المعابر غير الشرعية في هذه المنطقة لتهريب الأسلحة، أو في تقصي أحوال النازحين بمراكز إيوائهم، بعدما ضاقت هذه المراكز بقاصديها.
لدى وصولنا الى مشارف البلدة، قيل لنا ان مسيّرة إسرائيلة كانت تحلق في الأجواء، وطلب من الصحافيين أن يتركوا مسافة مئتي متر بين سياراتهم. وبين أزقة تعج بمنازل تعكس فقر حال أهلها، وصلنا الى طريق سُدّ بركام منزل لا يمكن التكهن بسبب إستهدافه. وذكر أن الأضرار هنا إقتصرت أيضاً على الماديات، إلى جانب نقل عدد من الجرحى الى المستشفيات. وقد شدّد من رافقونا أن المستهدفين في هذه المنطقة كانوا مدنيين آمنين.
على رغم تراجع عدد الغارات الإسرائيلة على البقاع في هذا اليوم، إستمر أهالي المنطقة في حالة ترقب، خصوصاً أن ما تصفه إسرائيل بأهداف محددة في منطقة البقاع، سمح لها بأن تلصق التهم وتنفذ أحكامها بإعدام الأفراد والجماعات، متجاوزة كل الأعراف الدولية في القضاء على عدد كبير من المدنيين غدراً. وهذا الى جانب ما يتسبب به عدوانها من شل تام لحركة المدن والقرى، ومن نزوح كبير من المناطق المستهدفة الى المناطق الأكثر أمانا، وسط تراجع للموارد المتاحة لدى النازحين الذين يريدون المأكل والمشرب وإنما، بشكل أساسي، يريدون حلولاً تعيدهم الى منازلهم.
المصدر: لوسي بارسخيان/ المدن
2024-10-03 || 21:39