يجب أن نحضره للشرطة، هناك من اعترف عليه بمشاركته بتعاطي مواد مخدرة! سنتابع المعلومات الواردة: قال الضابط.
كانت المعلومات الواردة كلها تؤدي إلى ذلك المنزل، الذي يسكن به شاب في مقتبل العمر، عمره منتصف العشرينات، يافع، قوي البنية ووسيم الشكل ووالده المقعد ووالدته وخمس من أخواته.
بدأت طواقم مكافحة المخدرات في الشرطة بالمتابعة، فالخطر كبير إذا صحّت المعلومات التي توصلت إليها طواقم البحث فهناك خطر داهم سيطال بنيرانه هذه العائلة من صغيرها لكبيرها لاعتقاد الشرطة أن هذه الملفات تطال نيرانها جميع من في البيئة المحيطة ويذهب ضحيتها أبرياء كثيرون وتجاربهم تقول لهم ذلك.
اكتملت الحلقة الأولى من المعلومات وتم وضع إضبارة خاصة كتب عليها من الخارج اسمي وملحوظة بخط مائل "قيد المتابعة".
اكتملت المعلومات يا سيدي يجب أن نفتش المنزل ويجب أن نقبض عليه، هذا ما قاله رئيس قسم التحري.
فريق الشرطة بدأ يتجهز للتفتيش وسيتحرك وسط المدينة هناك حيث منزل عائلتي الذي أسكن فيه.
الباب يهتز قليلاً من طرقة لطيفة من الضابط ينادي: افتحوا الباب نحن من الشرطة الفلسطينية. ومجرد أن انطلقت الكلمات من لسان الضابط حتى أخذ والدي يتوتر تدريجياً وبدا ذلك على اهتزاز مقعده المتحرك، الشرطة وما بها الشرطة؟ وماذا تريد منا؟ وأمي كانت أكثر ارتعاشاً من أبي رغم سلامتها الجسمانية تمتمت بصوت شبه مسموع "ربنا يستر! ما هذا الذي يحدث؟ ربنا يسلم؟ "مالنانش في حدا وعمرنا ما جينا بحدا".
أخواتي الخمس بدا عليهن الخوف الشديد لم يدركن أهو التوتر من البرد القارص الذي يلف المنزل المتواضع مع بداية الشتاء في أواخر تشرين الثاني أم من كلمات الضابط خلف الباب بضرورة فتح الباب بعد إلحاح منه لتأخر والدتي في فتح الباب لأنها تبحث عن حجابها وطلبت من أخواتي البالغات أن يتحجبن وهي تردد الله يستر الله يستر!
أختي الصغرى التي طالما كان أبي يخيفها بالشرطة بدا الرعب واضحاً جلياً على دموعها البريئة وعلى ارتباكها فقالت بكل براءة ممزوجة برغرغة الدموع "بدهم يطخونا بدهم يودونا على السجن". ازداد التوتر على الأسرة كلما اقتربت والدتي من فتح الباب مع توسل الصغيرة بعدم فتح الباب.
وأخيراً أدارت والدتي المفتاح ولفت مقبض الباب وجدَت فريقاً من الشرطة أمام الباب يطلب منها الإذن بالدخول والتفتيش تفضلوا هذا منزلنا؟؟؟
يا الله! ما هذا الذي تراه عيناي؟ قرأت الاستغراب في عيني الضابط. كانت نظراته تخبر من يشاهدها بألف علامة تعجب!! منزلنا رث جداً لا يوجد به أدنى مقومات الحياة وصالة صغيرة وقطعة من السجاد البالي فوقها خمس فرشات إسفنج متآكلة حتى أكثر من نصفها وبعض الأغطية التي لا تقي نسيم الصيف فكيف ستحارب برد الشتاء القادم ومطبخ يفتقر لكثير من أدواته وحمام واحد بابه ستارة ممزقة من ثوب قديم.
وفي أثناء هذا الاندهاش كنت أصبحت بين يدي الشرطة فأين سأذهب؟ أو أين سأهرب؟ لا فرار.. أنا الآن مقبوضٌ عليّ. لا أحد من عائلتي يعرف لماذا ألقوا القبض عليّ إلا أنا؛ فأنا الوحيد الذي يعرف ماذا فعلت.
لكن الشرطة التي بدأت تبحث عن مواد مخدرة انحرف تفتيشها عن أصوله المعتادة التي كنت أظنها؛ فبينما كان أحدهم يُهدِّئ من روع أختي الصغيرة التي لم تكن تسكت عن البكاء وآخر كان يطلب من والداي بعض المعلومات عني وشددوا كثيراً على علاقتي بأصدقائي؟
أنا الآن أغادر منزلي بدورية الشرطة بعد أن وجدوا بعض المواد المخدرة تاركاً مشاعر عائلتي تلاطمها الأقدار وتتخبط أفكارها ببعضها وكَمٌ كبير يحيط منزلنا من الإرباك حتى أن أمي بدأت تبكي بحرقة على ابنها البكر وما آلت إليه حالهم الصعبة وبدأت أبتعد عن المنزل باتجاه مديرية الشرطة وحينها قال لي الضابط باستنكار: ستلتقي في الشرطة بصديقيك الصدوقين اللذين كانا لهما دور كبير في ما أنت به اليوم وما أنت عليه في هذه اللحظة.
ما إن وصلت مكتب شرطة المخدرات حتى وضعوا عليّ حارساً ولم يبدأ بسؤالي عن شيء واستمر تفكيري يدور في كل شيء فعلته أو لم أفعله ولا يوجد معي أنيس يرافقني حتى أن تفكيري انطلق مثل السهم يخترق تاريخ علاقتي بأصدقائي؛ فأنا من المفترض أن أجهز نفسي للزواج وأن أجمع المال من مهنتي التي تكسبني الكثير، أصرف على عائلتي، لكن هذا بعد ساعة كاملة استدعاني مدير مكتب شرطة المخدرات وبدأ يسمع أقوالي فقلت له أريد أن أتحدث مع أهلي الله يخليك، بدي أطمئنهم عني؛ فأنا ابنهم الوحيد والشب الذي يعيل هذه الأسرة آه تكاد عينا أمي وأبي تنفطر من البكاء الآن وأخواتي اللواتي كنت أضربهن؛ باستمرار، ربما لم يستطعن النوم الله يخليك "خليني بس اطمنهم".
كانت إجابة الضابط الدائمة أهلك بخير اطمئن وضعهم أفضل من قبل ساعة "احنا بنطمنك". لم أكن أعير كلام الضابط اهتماماً وأقول في نفسي: مناورة تحقيق. ولكن وتحت إلحاح مني قبل الضابط أن أجري مكالمة مختصرة جداً مع والدتي وما إن فتحت المكالمة حتى بدأت تسألني أنت بخير؟ وأجيبها أنا بخير، ثم قالت لي: الشرطة في منزلنا الآن أحضروا فراشاً جديدة لأخواتك وأغطية نظيفة ودافئة ومأمونة تكفينا أسابيع قادمة ودمية جميلة لأختك الصغيرة، بس انت يمة لازم تدير بالك علينا قبلهم!
لأنك تعمل وتكسب جيداً!!!!!الكاتب: المقدم أمجد فراحته/ الشرطة الفلسطينية
المحرر: عبد الرحمن عثمان