من "الكريستال" إلى البيجر: من هو العم المخترَق؟
الحزب تلقى ضربة غير مسبوقة في لبنان وفي العالم بتفجير أجهزة البيجر، يومي الثلاثاء والأربعاء، وفي هذا المقال يقارن الكاتب بين اختراق البيجر وعملية الكريستال التي تمت باغتيال قائد كتائب الحركة "عياش"، من خلال تفخيخ هاتف أهداه إياه عمه. فمن هو العم المسؤول عن اختراق البيجر؟
حسنا فعل أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، بالاعتراف بواقعية وعلنية، ومن دون محاولات تخفيف أو تمويه أو تضليل أمام جمهوره والرأي العام. بأنه تلقى وحزب الله، ضربة غير مسبوقة ليس في لبنان فقط، بل غير مسبوقة في العالم.
وهو قال في ذلك: "لا شك أننا تعرضنا لضربة كبيرة أمنيًا وإنسانيًا وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان، بالحد الأدنى، غير مسبوقة في تاريخ لبنان، هذا المستوى من العدوان وقد يكون غير مسبوق في تاريخ الصراع مع العدوّ الإسرائيلي على مستوى كلّ المنطقة، وقد يكون غير مسبوق في العالم".
نصر الله في هذا الاعتراف الصريح، وفر على نفسه وعلى البيئة المحيطة، مثالب الديماغوجية والتضليل والمكابرة المعتمدة لدى أطراف كثيرة في مثل هذه المواقف والمفترقات.
في المحصلة، يعتبر هذا الاعتراف دليل شجاعة. فقد سبق له أن قال بعد حرب تموز 2006 من دون تردد، أنه لو كنت أعلم بالنتائج التي ستسفر عن اختطاف الجنديين الإسرائيليين يومها لما قمت بعملية الخطف.
وقد تكون إحدى ميزات حزب الله، والتي ساعدت في تقدم عمله وخطواته. أنه قادر على التعلم بسرعة، اكثر من غيره من الأطراف، وانتقاد نفسه، وتصحيح خطواته وتوجهاته.
في المحصلة، ما من شك أن حزب الله قد ارتكب في المدة الأخيرة، عدة أخطاء إسترايجية متوالية وخصوصا في هذه المعركة ما بعد طوفان الأقصى.
الخطأ الأول، أنه انخرط في هذه المعركة منذ اليوم الثاني لطوفان الأقصى من دون مبررات سياسية ووطنية كافية، تبرر له وتحميه، أمام جمهوره والرأي العام، في هذا الانخراط المخاطرة غير المحسوبة.
فمن ناحية المصلحة الوطنية اللبنانية المحصورة، لا علاقة للبنان بغزة وحرب غزة وطوفان الأقصى. فهي تقع في بلد ثان مجاور وشقيق، كما أن من قررها هو أحد الأطراف الفلسطينية التي تجمعه بلبنان رابطة القومية والأخوة العربية والجيرة، وليس أي اتفاق قانوني أو مصلحة آنية أو أي اتفاق أو معاهدة، ناهيك أن لبنان دفع وبسبب القضية الفلسطينية والتزامه وشعبه بها أثمانا باهظة سابقا.
كل ما في الأمر، أن حزب الله قد قرر الاشتراك في حرب المشاغلة والمساندة، من دون رغبة أو موافقة الشعب اللبناني أو السلطات الللبنانية المسؤولة عن هذا الشعب.
حزب الله قال أكثر من مرة، أنه يشارك لقطع الطريق على إسرائيل لكي لا تستفرد بلبنان، ولإعلان الجهوزية العملانية والعسكرية حتى لا يؤخذ لبنان على حين غرة ولمساندة حماس في معركة غزة.
لكن في المحصلة والعمق والواقع، فإن مشاركة حزب الله في المعركة كانت من أجل تلبية طلب إيران التي تدير وتخطط وتروج لنظرية وحدة الساحات التي صاغتها وتحركها، لامتلاك نفوذ وأوراق تفاوضية مع الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الغربية.
إيران ببساطة، تستخدم أذرعها في المنطقة بما فيها حزب الله وباقي الأذرع من الحوثيين في اليمن إلى الحشد الشعبي، ومن لف لفه في العراق. من أجل التفاوض والضغط على الولايات المتحدة والمجموعة الغربية. ومن أجل تحسين هذه الأوراق وفاعليتها، في الضغوط المتبادلة لرسم معادلة النفوذ والسيطرة والتقاسم في المنطقة.
ليس هناك أي مبرر أو مسوغ شرعي أو مصلحة وطنية لبنانية، في الانخراط بحرب غزة من قبل حزب الله، سوى النزول عند رغبة ومصالح وتوجيهات إيران، علما أن لبنان مثخن بالجراح والنكبات والأزمات المعروفة ويكاد يلفظ أنفاسه كوطن وبلد طبيعي.
في المعارك السابقة، التي خاضها حزب الله مع إسرائيل، كان المبرر الشرعي والسياسي مؤمن وبقوة خصوصا مع سيطرة إسرائيل للأراضي اللبنانية. أما بعد تحرير هذه الأرض في العام 2000 وانسحاب إسرائيل منها، لم يعد هناك من مبرر لحمل واستخدام السلاح المقاوم ونظريات المقاومة المضخمة والمنفوخة والمفتعلة، سوى الاستمرار في إيجاد مبرر لحمل واستخدام السلاح والاستفادة منه ومن هذا الدور، وهذه الوسيلة للمساومة وزيادة النفوذ والاستثمار الداخلي والإقليمي.
الخطأ الإستراتيجي الثاني، الذي وقع فيه حزب الله، هو الهروب من الهاتف الخليوي الى أجهزة الاستدعاء أو النداء أي ما يعرف أو عرف باجهزة "البيجر".
أي انه هرب من القطاع السبراني، الذي تتفوق فيه إسرائيل على باقي دول العالم وهي التي تبيع وتسوق أجهزة التجسس، بما في ذلك لدول عربية كثيرة، إلى القطاع الإلكتروني الذي تتفوق فيه إسرائيل أيضا. والذي زاد في الطين بلة أن حزب الله وكما تشير معلومات متقاطعة، أوقع نفسه في شباك إسرائيل الاستخبارية شر وقعة.
فمن ناحية سلاح الإشارة، او شبكة الاتصالات الداخلية، التي أقامها حزب الله لنفسه، وبشكل مستقل، وكانت السبب في كسر إرادة وسلطة الحكومة اللبنانية. وتشويه صورته ودوره عبر اقتحام وغزو بيروت ومناطق الجبل بسببها في أيار 2008، قد سقطت بيد إسرائيل واخترقت بشكل واضح. بدليل الخروق الظاهرة في كشف تحرك قادة المقاومة، ونجاح إسرائيل في اغتيال أكثر من واحد منهم بطريقة فظة وعلنية ومدهشة.
إذا، حزب الله أصيب بأكثر من ضربة وسقطة وعاهة، في المدة الأخيرة. من كشف واختراق الهواتف الخلوية، إلى الانتقال المريب إلى استخدام أجهزة الاستدعاء أي البيجر.
كيف تم هذا الاختراق المذهل وغير المسبوق في العالم حسب تعبير السيد نصر الله؟
المعلومات التي نشرت في الصحافة الغربية والأمريكية تحديدا، إلى أن يثبت العكس، تقول إن حزب الله اشترى صفقة أجهزته للنداء أي "البيجر" من شركات إسرائيلية وهمية أقامها جهاز الموساد في أوروبا واستدرج وسطاء من حزب الله، لكي يتعاقدوا مع هذه الشركات لتصنيع وشراء أجهزة البيجر. وقد قام الموساد من خلال المصانع التي أقامها بتصنيع أجهزة بيجر للحزب ووضع فيها متفجرات من نوعية خاصة وربما أجهزة تنصت وتعقب. وباعها للحزب الذي اشتراها، هو أو غيره من الأطراف الموثوقة منه أو المسيطرة عليه. وبالتالي وقع مع عناصره وكوادره، بين أيدي الموساد. وأصبحت الأجهزة المفخخة تحت امرة إسرائيل، التي كانت تريد تفجيرها في بداية هجوم شامل على لبنان كانت تنويه، لكن خلافا بين قادتها أجل استخدامه وتوقيته، إلى أن لاحت إمكانية الانفضاح والانكشاف، فضغطت إسرائيل على ازرار التفجير فكانت المجزرة، التي هدفت إلى قتل نحو 5000 عنصر من حزب الله دفعة واحدة، وحدث بعدها ما حدث.
لم تكن هذه الجريمة المجزرة، التي ارتكبتها إسرائيل بتفخيخ أجهزة اتصال بمتفجرات هي الحادثة الأولى من نوعها التي تمارسها وتطبقها!
عملية الكريستال
فقد سبق هذه العملية، عملية إسرائيلية أخرى استُخدمت فيها هذه التقنية، وسميت يومها بعملية "الكريستال"، حيث نجحت فيها إسرائيل في قتل قائد "كتائب عز الدين القسام" في حركة "حماس" يحيى عياش، الذي كان يلقب بـ"المهندس"، بعد ما قضّ مضاجع القادة السياسيين والعسكريين والامنيين في الكيان "الإسرائيلي".
"الكريستال" أو "البلوري" هو الاسم الحركي للضابط الإسرائيلي في جهاز الشين بيت، الذي كلف باغتيال المهندس عياش وأعطي يومها صلاحيات استثنائية لكي يتمكن من النجاح في مهمته.
نجح جهاز الشين بيت الإسرائيلي يومها، في اغتيال المهندس عياش، بأن اخترق محيطه العائلي بالتعاون مع عمه، الذي أهداه جهاز هاتف خليوي بنصيحة منهم، بعد أن زرعوا في الهاتف متفجرات كافية لتفجير راسه وأجهزة تنصت. وفي التوقيت المناسب، فيما كان المهندس يتحدث مع والده ويقول له "مشتاق لشوفك كتير يا با" ضُغط على الزر المناسب وانفجر الهاتف الهدية برأس المهندس وقتل على الفور، فيما والده يصرخ على الجانب الثاني من الخط.. "الو الو فينك يحي يا ابني؟؟". لترتاح إسرائيل منه ومن خططه والرعب الذي كان يمثله لهم.
يقال إن الاختراق الذي تعرض له حزب الله، في صفقة أجهزة البيجر، يكمن في الحلقة التي تولت التفاوض مع المصنع الوهمي الإسرائيلي في أوروبا أو في إحدى نقاط التوريد.
السؤال أين تكمن حلقة الاختراق التي نجح فيها الموساد في إيقاع حزب الله وأجهزته للنداء والاستدعاء في شباكه لصناعة وتكوين أحدث خدعة أو "حصان طروادة" إلكتروني استخباري في القرن الواحد والعشرين.
وهل هناك عم من أعمام حزب الله، قد تم اختراقه واستخدامه كما جرى مع عم يحي عياش، وكيف وأين تم وجرى ذلك؟
المصدر: المدن
2024-09-27 || 16:02