كتب أستاذ التاريخ وأحد المهتمين في إعادة تعمير البلدة القديمة في نابلس باسل كتانة، الجمعة 15.10.2021، عبر صفحته في فيسبوك مقالا عن الموقع الأثرى المكتشف مكان صبانتي كنعان والنابلسي، المنوي إقامة مدرسة وديوان فوقه بالتعاون مع عائلة كنعان وبلدية نابلس.
وفيما يلي المنشور:"بدأت هذا الأسبوع أعمال دفن نافذة عظيمة إلى تاريخ مدينة نابلس الرومانية.
الساحة الناتجة عن تدمير صبانتي كنعان والنابلسي في حارة الغرب في البلدة القديمة كانت ستكون البوابة الأهم للولوج إلى تاريخ المدينة المدفون، لولا أن القرار صدر بأن يتم بناء مدرسة في تلك الساحة. فبعد أن بدأت أولى عمليات تسوية الأرض تمهيدا للبناء، تبين وجود موقع أثري هناك، وحسب ما رشح حتى الآن، فقد تم اكتشاف حمام روماني ذي أرضية فسيفسائية سوداء وأجران ماء مميزة، وقد تكون فريدة من نوعها في المنطقة.
وبالرغم من أن هذا الكشف يمكن أن يفتح بوابة جديدة لفهم تاريخ المدينة الذي ما زال عرضة للتكهنات، إلا أن الأمر قد صدر بأن يتم البناء، وإغلاق إمكانية الاستفادة من هذا الكشف الأثري إلى الأبد.
وحيث أنه لم يتم إجراء أي دراسة آثار جديّة للمنطقة،
فإنه وجب لفت الانتباه إلى ما يلي:
1- إن هذا الكشف الأثري لا يمكن فصله عن الكشف الأثري للقطعة الفسيفسائية في إحدى زوايا خان الوكالة المحاذي تماما لقطعة الارض. وحيث أن القطعة الفسيفسائية في مبنى خان الوكالة تزحف تحت الحائط الجنوبي له، وهو الحائط المشترك مع الساحة المذكورة، فإن ربط المنطقتين ببعضهما عن طريق التنقيب الأثري ضروري لمعرفة تاريخ هذه المنطقة.
2- إن الحمام الروماني المكتشف هو أقرب مبنى روماني مكتشف إلى الموقع المتوقع لقرية معبارتا السامرية، والتي يعتقد أنها كانت موجودة حين أنشأ الرومان مدينة نابلس. فحسب إبراهيم الفني، فإن موقع قرية معبارتا هو في سفح جبل جرزيم تحت ما يعرف الآن بمنطقة كرم الحلو، وقد وجدت بقايا آثرية منها أثناء عمليات الحفر لمدرسة جمال عبد الناصر.
وهذا يعني أن منطقة الحمام المكتشف يمكن لها إذا اتسعت عمليات التنقيب أن تجيب عن السؤال المهم حول علاقة معبارتا بـFlavia neapolis، وحول علاقة السامريين بالثورة ضد الرومان خلال القرن الميلادي الأول، وهي علاقة ما زالت منشورات الآثار الصهيونية تتجنبها أو تتجنب الكشف عنها، حيث يمكنها نقض الروايات الكاذبة التي يروجون لها ويبنون زعمهم الحق التاريخي والذي يدعمونه بنصوص من كتابهم المقدس (התנ"ך) التاناخ.
3- إن منطقة الحمام المكتشف تقع ضمن المنطقة المفقودة من خارطة مادبا لمدينة نابلس. وحيث أن خارطة مادبا هي الأقدم والأكثر تزويدا للمعلومات حول نابلس الرومانية والبيزنطية، وحيث أن الحمام المكتشف يقع ضمن المنطقة المفقودة من الخارطة، فإن الكشف الأثري سيساعد بكل تأكيد على استكمال ولو جزء بسيط من خارطة مدينة نابلس الرومانية. مرفق خارطة مادبا وإشارة إلى موقع تقريبي للحمام.
4- وحيث أن الحمامات الرومانية العامة كانت غالبا ما تكون بجانب شوارع عامة، وحيث أنها كانت تحتاج إلى مصدر دائم للمياه، فان اكتشاف هذا الحمام والتنقيب عما يحيطه أو عن مصدر مياهه، سيفتح بابا جديدا حول مستويات واتجاهات شوارع المدينة القديمة، وشبكة المياه الرومانية التي كانت تغذي الشوارع والمباني العامة والتي يعتقد أنها ما زالت تعمل حتى الآن.
قنوات مائية رومانية قديمةوفي زيارة سابقة لنا للمهندس المعماري الإيطالي مايكل أنجلو فابريني في مدينة فلورانسا، والذي كان من أول المشرفين على ترميم خان الوكالة فإنه أخبرنا بأن نافورة ساحة خان الوكالة ما هي إلا عبارة عن بئر ماء ينتهي بقناة مائية، وبالتالي فإنه من المحتمل جدا أن يكون هناك مصدر للمياه يمر من تحت الحمام المكتشف باتجاه خان الوكالة، وهو ما يتفق أيضا مع حقيقة بناء مصنعي الصابون فوق مكان الحمام. (صبانتي كنعان والنابلسي اللتين دمرهما الجيش الإسرائيلي أثناء اجتياح عام 2002).
إن هذه الحقائق وغيرها لا بد وأن تسترعي انتباه القائمين على المشروع، من عائلة كنعان وبلدية نابلس ومديرية السياحة والآثار، بل وأبناء المدينة جمعاء إلى مدى الخسارة المعرفية التاريخية الناتجة عن صب تلك الساحة بطبقة باطون مسلح لا تقل سماكتها عن 60 سم من أجل بناء مدرسة فوقها.
إن بناء مدرسة ابتدائية في هذه الساحه، سيمنع فتح الباب أمام مدرسة تاريخية جديدة، من شأنها جلب الكثير من أبواب الخير للمدينة وغيرها.
المصدر: باسل كتانة