تقع قرية يانون جنوب محافظة نابلس، حيث تبعد عنها حوالي 15 كيلومتراً. وهي "شبه جزيرة" محاطة بالمستوطنات من الجهات الأربع، باستثناء منفس من الجنوب وهو الطريق التي تصل بلدة عقربا بيانون.
يقول مختار يانون راشد مرار لــ
دوز إن القرية بعد اتفاق أوسلو تم تقسيمها إلى قسمين، يانون الشمالية (الفوقا) وهي
منطقة مصنفة (ج)، ويانون الجنوبية (التحتا) وهي
منطقة مصنفة (ب). وتسمى المنطقة الشمالية بـ"عين يانون"، حيث أطلقت عليها إسرائيل اسم (خربة يانون).
ويضيف مرار: "تفاجأت قبل أربع سنوات من عدم وجود خربة يانون على الخارطة، ويعود ذلك إلى أن إسرائيل ترغب باستعمار يانون بسبب موقعها الإستراتيجي، إذ تطل من المنطقة الشمالية على جبل الشيخ والبحر الميت والأردن".
ويبيّن مرار أن نبع الماء في المنطقة الشمالية والتي هي مصدرٌ للشرب، يأتي المستوطنون للسباحة بها وغسل كلابهم بها "من أجل تلويثها".
عسكري أم مستوطن؟تبلغ مساحة يانون 16450 دونماً، وتمت السيطرة على 80% من أراضيها. ويقول مرار: "في البداية يعلن الجيش الإسرائيلي أنها منطقة عسكرية، ليتفاجأ السكان بأنها أصبحت بؤرة استيطانية يدخلها المستوطنون ويمنعون الأهالي من الاقتراب منها. وهم مستمرون بالتوسع إلى الجهة الشرقية".
ويذكر مرار أن عدد سكان يانون هو 82 نسمة، إذ تسكن يانون الشمالية 16عائلة، بسبب هجرة سكانها، التي بدأت عام 2002، إذ هاجرت عشرون عائلةً إلى عقربا بسبب الاستيطان.
يوضح مرار، أن مستوطنة إيتمار تبعد عن يانون حوالي ثمانية كيلومترات، وتمتد من الجهة الشرقية إلى الغربية، بالإضافة إلى وجود خمس بؤر استيطانية، ففي الجهي الغربية توجد بؤر جفعات علام وافري وارانو، أما من الجهه الشمالية فتوجد بؤرة جدعنيم، وشرقاً بؤرة رقم 770 وفي الجهة الشمالية الشرقية رقم 776 والجهة الشرقية الجنوبية 778. ويصف مرار المستوطنات المحيطة بهم بالسجن، إذ إنها تمنع تحرك الأهالي بعد آخر بيت في القرية عشرة أمتار أخرى، بسبب وجود منطقة عسكرية.
وعن تعرض المستوطنين لأهالي يانون، يروي مرار: "أثناء وجود ابني وابن أخي في السهل لرعي الأغنام، حاول أحد المستوطنين ضربهما، وفي اليوم التالي رأيت هذا المستوطن أثناء عودتي من نابلس، حيث كان يقف أمام الحاجز بين يانون وعقربا في لباسٍ عسكري، وفتّش السيارة وأخذ هويتي وطلب مني رفع ملابسي ولكنني رفضت، واحتجزني لمدة ربع ساعة".
ويضيف: "حدث مثل هذا الموقف في عام 2003 بالمنطقة الشرقية، حيث تعرض مزارع من عقربا للضرب من مستوطن في يانون، حتى سال الدم من رأسه، ثم اتجه المستوطن إلى خلف السيارة العسكرية وتحول خلال خمس دقائق إلى عسكري حاملاً على كتفه سلاح (M16)".
التأخر في قطف الزيتونوعن موسم الزيتون يقول مرار: "في السابق كنا نبدأ بالتجهيزات لموسم الزيتون قبل أسبوعين من موسمه، أما اليوم فنفكر بالموسم قبل شهرين. وبالرغم من وجود الجيش الإسرائيلي إلا أننا نتعرض لاعتداءات أثناء قطفنا للزيتون من قبل المستوطنين. ويطلب حارس المستوطنة، التي نعمل بالقرب منها، من الارتباط الإسرائيلي إخراجنا من الأرض، وينفذ الجيش أوامر المستوطنين".
ويتابع مرار: "شجر الزيتون المتواجد في القرية أبدأ بقطفه في يوم 15 من تشرين الأول، أما الأراضي والأشجار القريبة من المستوطنات فأقطفها بعد ذلك التاريخ، بعد وصول التنسيق الإسرائيلي الفلسطيني".
ويشير إلى أن يانون منطقة زراعية يعتمد أهاليها على الزراعة وتربية الحيوانات. ويتابع: "في السابق كنا نستغرق شهراً لقطف الزيتون في المنطقة التي تقع قرب المستوطنات، أما اليوم فخلال أربعة أيام ننهي العمل فيها بسبب التنسيق الذي يسمح لنا بدخولها يومين أو ثلاثة أيام في السنة فقط، ولا يكفي ذلك، لأن شجرة الزيتون بحاجة إلى المتابعة والعناية، فهي مصدر رزقٍ لنا".
أما عن الثروة الحيوانية، فيقول: "في السابق كانت تضم يانون ما يقارب الـ200 رأس من الغنم، حيث كانت المنطقة مفتوحة من عورتا إلى الغور وكانت توجد مساحة لرعي الأغنام، أما اليوم فلا توجد مراعٍ، إذ سيطر المستوطنون عليها بشكل كامل، وأصبح الآن من يمتلك 100 رأس يبيع عشرة منها لإطعام الـ90 الباقية، ويبيع عشرة أخرى لإطعام الـ80".
ادعاء ملكيةويشير مختار يانون إلى أن إحدى الأراضي، التي تبلغ مساحتها أكثر من 300 دونم وتسمى بأرض "باب الوقف"، ادعى مستوطنون بملكيتهم لها، رغم امتلاك مرار أوراق "طابو" تثبت ملكيته لها. ويتابع: "توجه الارتباط الإسرائيلي لي قائلاً إن هذه الأرض هي للمستوطنين وليست لي، وفوراً رفعت قضية على المستنوطنين والجيش واستمرت نحو ثلاثة شهور ليصدر بعدها قرار المحكمة بأن أرض باب الوقف لراشد مرار، ولكن ما زال المستوطنون يعتدون عليها".
ويروي مرار: "بعد انتهائي من حصد القمح في أرض المنطقة الشرقية من يانون، سألني الجيش عما كنت أفعله في الأرض، أجبته بأنني حصدت القمح ومعي كيس يضم الفريكة، ولم يسمح لي بلمسه وألقاه على الأرض ودعس عليه، وأخذ هويتي وهددني إذا ما هربت".
ويضيف: "طلب مني اللحاق به إلى حاجز الحمراء وحجزني ما يقارب الثلاث ساعات، ومع تدخل الارتباط والمحافظة وحقوق الإنسان في إسرائيل، طلب مني الرجوع من ذات الطريق، وعناداً به سلكت طريقاً آخر، بالإضافة إلى تهديدي بعدم الذهاب إلى الأرض مرة أخرى، وأكدت له بأنه سوف يراني كل أسبوع، وإلى الآن ما زال الاحتلال يحتجزني كلما توجهت إليها، مرة بعد حراثتها وأخرى بعد حصادها".
ذهب ليرعى ولم يعدويبين راشد مرار أن إحدى الأراضي في يانون وهي جفانون، منذ ثلاث سنوات أعلنت إسرائيل عن أنها منطقة تدريب عسكري، وتم تجريفها بالإضافة إلى دخول المستوطنين، وبداخلها جرافات ومكعبات باطون وحفر أنفاق يصل طولها حوالي 200 متر، وعددها خمسون نفقاً. "الهدف من القيام بهذا أن يسأم الأهالي تاركين لهم الأراضي بدون حراثة، لأن إسرائيل تصادر الأرض بعد أربع سنوات إذا كانت بدون حراثة، بحجة أنها منسية. سأبقى أحرث جفانون لإثبات ملكيتي ووجودي، ولكن بدون زراعتها لأنهم سيحرقونها"، يقول مرار.
ويروي راشد مرار قصة حدثت مع أحد أهالي القرية، قائلاً: "في إحدى المرات ذهب مواطن من يانون ليرعى أغنامه، وبعد مضي فترة زمنية عادت الأغنام بدون الرّاعي، وتواصلنا مع طواقم الهلال الأحمر للبحث عنه وحل الليل ولم يعد، وبدأنا بالبحث عنه طالبين من الجانب الإسرائيلي رمي قنابل مضيئة لتوضيح الرؤية، وفي منطقة معينة كلما اقتربنا منها يطلقون الرصاص الحي نحونا، ومع ابتعادنا عنها يعاودون برمي القنابل المضيئة".
ويختم قائلاً: "في صباح اليوم التالي وجدنا الرّاعي ملقى على الأرض، وعلامات التعذيب واضحة على بدنه، حيث تم كسر رقبته وأسنانه وطعنه بالقلب، ومات في تلك المنطقة التي كلما اقتربنا منها أطلقوا علينا الرصاص الحي".
الكاتبة: مجد حسين
فيديو: صابرين عزريل
المحررة: سارة أبو الرب