ترامب يلتقي ممداني في المكتب البيضاوي: من الرابح؟
بعد تبادل هجمات سابقة… الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستقبل رئيس بلدية نيويورك زهران ممداني بودّ غير مسبوق في المكتب البيضاوي، ويدافع عنه أمام الصحافيين، ما يُسقط سرديات الجمهوريين المتشددة.
استقبل الرئيس دونالد ترامب، أمس الجمعة 21.11.2025، رئيس بلدية نيويورك المنتخب زهران ممداني (اشتراكي ديمقراطي) بترحاب حار على نحو لافت في المكتب البيضاوي، وأشاد بما حققه في الانتخابات، رغم أن الرجلين كانا قد تبادلا هجمات عنيفة في السابق — بما في ذلك وصف ترامب لممداني، بأنه "شيوعي" في منشوره الذي أعلن فيه عن اللقاء.
إلا أن الجانبين ركّزا هذه المرة على أرضية مشتركة تتعلق بموضوع القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة، ورغبتهما في رؤية ازدهار مدينة نيويورك.
وكان مضمون النقاش لافتًا، لكن نبرة اللقاء بدت في بعض الجوانب أكثر إثارة للدهشة. فقد بدا الطرفان ودودين إلى حدّ كبير، سواء في التصرفات أو التعليقات الصغيرة.
فترامب تدخّل مرارًا للدفاع عن ممداني أمام أسئلة صحافية ذات طابع عدائي. كما أعرب عن أمله، بنبرة أبوية، في أن تظهر صورة التقطت لمامداني بجانب لوحة للرئيس الراحل فرانكلين روزفلت "بشكل جيد".
وقد أشعل اللقاء بين هذين السياسيين المختلفين أيديولوجيًا مواقع التواصل الاجتماعي.
فيما يلي أبرز الرابحين والخاسرين والدروس المستخلصة من هذا الاجتماع:
أكبر رابح: زهران مامداني
يُعدّ اللقاء، بكل المقاييس، نجاحًا كبيرًا لرئيس البلدية المنتخب البالغ من العمر 34 عامًا. حقق ممداني هدفه الأساس: إيجاد أرضية مشتركة مع ترامب من دون التنازل عن مبادئه.
التحذيرات التي كان ترامب قد أطلقها سابقًا بشأن احتمال وقف التمويل الفدرالي عن المدينة أو نشر الحرس الوطني تبدو الآن خارج النقاش — على الأقل مؤقتًا، رغم صعوبة التنبؤ بالمستقبل نظرًا لطبيعة الرئيس المتقلبة.
خلال الأشهر الماضية، حاول خصوم مامداني في السياسة والإعلام اليميني تصويره كخطر يهدد القيم السائدة. لكن ترامب — الذي كان قد انضم سابقًا إلى هذه الهجمات — فكّك هذا السرد بالكامل يوم الجمعة.
قال ترامب في بداية حديثهما أمام الصحافيين: "كلما أدى عمله بشكل جيد، كنت أكثر سعادة."
وعندما سُئل إذا كان سيشعر بالراحة للعيش في نيويورك تحت إدارة مامداني، أجاب ترامب: "نعم، سأفعل. بالتأكيد. خصوصًا بعد هذا الاجتماع."
ورغم احتمال انتقاد اليسار المتشدد لممداني بسبب لقائه مع ترامب، فإنه لم يتراجع عن مواقفه السابقة تجاه ترامب.
قال ممداني:
"قد تكون هناك خلافات أيديولوجية، لكن ما نتفق عليه هو العمل المطلوب لجعل نيويورك مدينة ميسورة التكلفة."
رابح مهم: دونالد ترامب
قد تخفي لهجة ترامب العدائية أحيانًا دهاءه السياسي، غير أن هذا اللقاء مثال واضح على مهارته.
فقد حوّل الاجتماع إلى حدث إعلامي ضخم، وفاجأ الجمهور بتعامله الودي مع خصم أيديولوجي، وقدم نفسه كمن يبحث عن قواسم مشتركة بشأن تكاليف المعيشة.
وأشار ترامب — مستعيدًا موضوعًا يفضله — إلى أن كثيرًا ممن صوتوا للسيناتور اليساري بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية عام 2016 انتهى بهم الأمر إلى التصويت له في الانتخابات العامة، مؤكّدًا وجود قاعدة مشتركة.
وقد هزّ ترامب رأسه موافقًا بينما كان ممداني يتحدث عن ناخبي نيويورك الذين دعموا ترامب في 2024 بسبب قضية القدرة على تحمل التكاليف.
الخطر المحتمل الوحيد: رد فعل قاعدته اليمينية التي قد ترى ودّيته تجاه مامداني غير مقبولة.
أكبر خاسر: الرسائل الجمهورية المناهضة لممداني
عمل الجمهوريون في الكونغرس على إعداد حملة تربط الحزب الديمقراطي بممداني — الاشتراكي الديمقراطي — وتقدمهما معًا كتيار متطرف وخطر. لكن ترامب نسف هذا المسار تمامًا في نصف ساعة.
وعندما استشهد أحد الصحافيين باتهامات النائبة الجمهورية إليس ستيفانيك التي وصفت ممداني بأنه "جهادي"، وسأل ترامب إن كان يشعر أنه يجلس بجوار "جهادي"، أجاب: "لا، لا أشعر بذلك."
ثم أضاف: "لقد التقيت برجل عقلاني للغاية… يريد حقًا أن يرى نيويورك عظيمة من جديد."
هذا الرد جاء بمثابة ضربة موجعة لحملة ستيفانيك للترشح لمنصب عمدة نيويورك، وأصدرت حملة الحاكمة الحالية كاثي هوكول بيانًا قالت فيه إن هذا "اللحظة التي نسف فيها ترامب أساس حملة ستيفانيك بالكامل".
ورغم احتمال أن يتراجع ترامب لاحقًا ويعود إلى مهاجمة ممداني، فإن آمال الجمهوريين في استخدام استراتيجية التخويف من ممداني تلقت ضربة مباشرة من الرئيس نفسه.
خاسر مفاجئ: منتقدو مامداني في الإعلام
كان لافتًا مدى سهولة تفنيد الأسئلة الصحافية العدائية.
لم يقتصر الأمر على ردود ترامب التي دحض فيها وصف ممداني بـ"الجهادي" أو أكد فيها راحته للعيش تحت إدارته، بل تدخل أيضًا حين سئل ممداني — بنبرة اتهام — إن كان يرى الرئيس "فاشيًا".
لم يُكمل ممداني جملته حتى قهقه ترامب وقال مبتسمًا: "لا بأس، يمكنك فقط أن تقول نعم… هذا أسهل. لا أمانع."
وقالت مراسلة شبكة "سي أن أن" الأميركية كايتلان كولينز إن هذا المشهد "يلخص الاجتماع بأكمله تقريبًا".
رابح جوهري: مدينة نيويورك
رغم أن النبرة واللقطات جذبت العناوين، إلا أن الاجتماع يحمل آثارًا عملية مهمة على المدينة — حتى الآن إيجابية للغاية.
ارتفعت احتمالات التعاون بين ترامب وممداني بشكل كبير، وهو أمر مهم، خصوصًا في ظل تهديدات ترامب السابقة بقطع نحو 7 مليارات دولار من التمويل الفدرالي.
تصريح ترامب بأنهما "سيعملان معًا" من أجل مصلحة المدينة الأكثر سكانًا في الولايات المتحدة قد يعود بتأثير فعلي ملموس.
الخلاصة: كان لقاءً يستحق المشاهدة
في نهاية الاجتماع، تحدث ترامب بحرارة عن كمية التغطية الإعلامية التي أثارها اللقاء، معبرًا عن فرحه بأن زيارة ممداني لفتت الانتباه أكثر من زيارات قادة دول.
وبحسّه التلفزيوني المعروف، رأى ترامب — وبحق — أن الاجتماع قدم مادة جذابة للمشاهدين.
سواء أحب المرء ترامب أو ممداني أو كرههما، فقد كان لقاءهما حدثًا مثيرًا للمشاهدة قبل أي شيء آخر.
المصدر: وكالات
2025-11-22 || 08:04