إصلاحات انتخابية بالمغرب: فرصة للشباب أم إعادة إنتاج للقديم؟
أطلقت الحكومة المغربية حزمة إصلاحات انتخابية موجهة للشباب استعداداً لانتخابات 2026، عقب احتجاجات جيل زد للمطالبة بتحسين الخدمات الاجتماعية، فيما تتباين المواقف حول نجاعة هذه الخطوات على إعادة بناء الثقة في المسار السياسي.
إلى جانب الدعم المالي الكبير لقطاعي التعليم والصحة (حوالي 14 مليار يورو) اتخذت الحكومة المغربية إجراءات لتشجيع الشباب على المشاركة في الانتخابات العامة المقررة في خريف 2026، من بينها السماح لهم بالترشح في لوائح مستقلة.
هذه الإجراءات جاءت بعد الاحتجاجات القوية والعنيفة أحيانا لشباب "جيل زد" خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي للمطالبة بتحسين خدمات التعليم والصحة. وقد تقررت خلال اجتماع ترأسه الملك محمد السادس. فإلى أي حد ستكون هذه الاجراءات ناجعة لتجاوز التوتر السياسي الحالي؟
في تصريح لـDW عربية، اعتبر عضو حركة جيل زد"، سيداتي نوحي، 27 سنة، أن هذه الإجراءات هي "رد فعل روتيني يسبق كل انتخابات، ويمكنني القول من خلال نقاشاتي مع الشباب انهم يعتبرون أن هذه الإجراءات لا تجيب بشكل جدي على تساؤلاتهم، حيت يعتبرونها إعادة إنتاج للتاريخ فيما يتعلق بدعم الشباب المستقلين، وأنها تؤسس لنوع جديد من الريع السياسي وتفتح أبوابا جديدة للانتفاع الشخصي على حساب المصلحة العامة".
ويضيف نوحي: "يمكن القول إنها سترفع من المشاركة شكلاً، لكن دون ضمانات لتشكل طريقة لامتلاك الشباب للوسائل الفعلية لاتخاذ القرار. إن الأهم هو الممارسة الديموقراطية اليومية وليس فقط خلال فترة الانتخابات، حيت نجد أنفسنا كشباب أمام واقع لا ديموقراطي يكرس السلطوية ويضعف المؤسسات الدستورية، ويضعنا بين مطرقة المشاركة بقواعد لم نخترها، وسندان الامتناع عن المشاركة والعيش بناء على قواعد لم نخترها".
من جانبه يرى يونس بلعيدي، 28 سنة، عضو "جيل زد" من حزب التقدم والاشتراكية (المعارضة)، أن "التجربة المغربية تظهر أن صانع القرار لا يستجيب عادة لضغط احتجاجي غير منظم أو غير مؤطر سياسيًا".
وهذه الإصلاحات، حسب رأيه، "تبدو في جوهرها تقنية أكثر منها سياسية وتظهر استعداداً لتحسين الإطار القانوني، لكنها لا تعكس إرادة واضحة لإحداث تحول هيكلي في مساحات مشاركة الشباب أو في طبيعة السلطة داخل الأحزاب والمؤسسات".
ولهذا فإن رد الفعل الغالب لدى شباب "جيل زد" هو "استمرار اتخاذ مسافة، وفقدان ثقة تجاه المنظومة السياسية. ويؤكد يونس أن "عدة أحزاب سياسية قدمت مقترحات لتوسيع المشاركة لكن وزارة الداخلية رفضت جل هذه المقترحات، مما يعكس استمرار مقاربة مركزية وحذرة تجاه أي تغيير يمس بنية التمثيل السياسي".
في المقابل تقول الشابة دعاء بوغابة، 20 سنة عضو "جيل زد": " أنا شخصياً عندي تقييم معتدل. هناك نقاط إيجابية يمكن تثمينها، مثل تشجيع المشاركة السياسية عبر الرقمنة، وتسهيل التسجيل، والدعم حتى لا يكون المال عائقاً أمام الترشح. لكن هناك جوانب تحتاج إلى توضيح أكثر: هل سيتم تطبيق القوانين؟ هل ستكون هناك شفافية؟ وهل ستبنى الثقة فعلاً".
تعبئة وجدل حول المستقلين
منذ بداية حراك "جيل زد" سارعت غالبية الأحزاب المغربية إلى تعبئة الشباب وتأطيرهم، عبر مبادرات وحملات تواصلية متعددة حزبية وأخرى رسمية بهدف إشراكهم في هذا المسلسل الانتخابي في ظل تراجع زخم المظاهرات والاكتفاء ببلاغات متقطعة تركز على المطالبة بالإفراج عن الشبان المعتقلين (حوالي 1500) وتوفير شروط محاكمة عادلة لهم.
يعتقد النائب البرلماني نور الدين مضيان من حزب الاستقلال (الأغلبية الحكومية) في تصريح لـ DW عربية أن إجراءات الحكومة لم تكن رداً على الاحتجاجات لأن "هذه الدولة التي عمرها اثنا عشر قرنا لا تتفاعل بمنطق رد الفعل. فكل هذه المطالب جاءت بلغة أقوى في خطاب العرش الأخير الذي وضع الأصبع على جرح السياسات العمومية التي أوصلتنا لمغرب يسير بسرعتين. وقد كان جلالة الملك حاسما عندما دعا الحكومة إلى اعتماد جيل جديد من السياسات العمومية المندمجة".
ويعترف النائب بأن "توسيع قاعدة مشاركة الشباب في السياسة والانتخابات كانت دائما معضلة". ويلح على أن "هناك اليوم إجراءات مهمة لاستقطاب هذه الفئة ليتحملوا مستوياتهم من داخل المؤسسات في بناء وطنهم وعدم لعب دور المتفرج"
من جهته، يرى إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية، أن هذه الإجراءات "قد يكون الهدف منها هو احتواء التوترات قبل الانتخابات المقبلة، رغم أن هؤلاء الشباب لم يرفعوا مطلبا كهذا. لكن يبدو أن وزارة الداخلية تريد خلخلة المشهد الانتخابي المقبل، وتوسيع نسبة المشاركة السياسية، وهو تحدي رئيسي في هذا السياق".
ويضيف حمودي في تصريح لـDW عربية أن "ردود فعل شباب جيل زد، وهو تنظيم أو تكتل غير موحد، تبدو متباينة بين الحذر من إجراءات تعتبر كمحاولة لرشوة الشباب الذين يطالبون بإصلاحات عميقة للمنظومة السياسية والحزبية والانتخابية، وبين الاحتفاء بها، واعتبارها فرصة للتغيير من داخل المؤسسات القائمة. لكن الغالب هو الشعور بالإحباط اتجاه تفاعل السلطة لعدم الاستجابة الحقيقية لمطالب أعمق مثل استقالة الحكومة ومحاسبة الفاسدين".
الأضواء ستكون مسلطة أكثر على المرشحين المستقلين الذين كانوا دائماً موضوع جدل وحذر في المغرب، بحيث ينظر إليهم كأدوات للتحكم في العملية الانتخابية من قبل السلطة. تاريخيا، وبعد فترة من التردد، أصبح القانون يسمح بترشح المستقلين، لكن طبقا لبعض الشروط مثل تحقيق نسبة معينة من الأصوات.
وهي شروط ينتظر أن يتم تدقيقها أكثر خلال النقاش في البرلمان. وقد سبق للمستقلين أن حققوا في الماضي انتصارات انتخابية بارزة سمحت لهم قبل حوالي 50 سنة بتأسيس حزب جديد هو "الأحرار" وبرئاسة الحكومة آنذاك وهو نفس الحزب الذي يقود اليوم الحكومة الحالية.
وقد عبرت بعض أحزاب المعارضة عن تحفظها من هذا التوجه ويشير إسماعيل حمودي إلى أن حزبا التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية أبديا بعض "التوجس والرفض لأن هناك من يعتبر الدعم المالي لترشيح الشباب بمثابة ريع جديد وأن يكون ذلك على حساب الأحزاب وأن يزيد من إضعافها".
محاصرة الفساد الانتخابي
يسمح القانون الانتخابي بتقديم دعم مالي بقيمة 500 ألف درهم (حوالي 50 ألف يورو) لكل مرشح. وتؤكد الحكومة على تعزيز مراقبة صرف هذا الدعم لمواجهة ما يسمى "بارونات الانتخابات"، ومعالجة مظاهر الفساد أو "الريع الانتخابي" الذي ترصده عدد من التقارير الحزبية والرسمية، وتزايد نسبة البرلمانيين المتابعين قضائياً. وقد أعلن وزير الداخلية أن "أبرز التحديات الكبرى التي يتعين رفعها بمناسبة الانتخابات المقبلة يتعلق بإرساء القواعد الكفيلة بتخليق الحياة السياسية والانتخابية الوطنية بكيفية نهائية".
يعتبر الأستاذ إسماعيل حمودي أن "هذه القوانين حتى وإن كانت تتضمن إجراءات جيدة لتخليق العملية الانتخابية، فإن المشكل يطرح في تفعيل القانون بشكل جدي. علما أن الانتخابات غير منفصلة عن التوازنات السياسية المعقدة في الميدان، حيث تفرض طبيعة الشبكات الاجتماعية للأحزاب بقيادة الأعيان، أحياناً، على السلطات العمومية التزام الحياد السلبي إزاء الممارسات المنافية للقانون، مثل توزيع المال لشراء الأصوات، أو التلاعب بإرادة الناخبين."
تشير بعض التوقعات إلى أن عدد الشباب المستقلين الذين يمكنهم الفوز في الانتخابات سيكون محدوداً ولن يتجاوز العشرين. وفي حال فوزهم بالأغلبية قد يطرح صعوبات عند تعيين الحكومة، لأن الدستور ينص على اختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالرتبة الأولى.
عموماً، يبدو هذا السناريو مستبعداً، والغالب هو أن يظفر بعض الشباب المستقلين ببعض المقاعد وأن ينتهي بهم الأمر إلى الاندماج في الأحزاب الحالية، كما جرت العادة في الانتخابات السابقة. المناقشة التفصيلية لمشاريع القوانين ستبدأ خلال الأسبوع الجاري، وينتظر أن تتم المصادقة عليها بسهولة نظراً للأغلبية العددية المريحة التي تتوفر عليها الحكومة.
بالتعاون مع دويتشه فيله
2025-11-19 || 20:09