هل نجحت الإمارات باستضافة كوب 28؟
لم تكتف الإمارات باستضافة مؤتمر الأطراف لتغير المناخ بنسخته الـ28 فقط، بل كانت أولى الدول التي رفدت صندوق الخسائر والأضرار بـ100 مليون دولار، ما لا يدع مجالاً للشك بأنه مؤتمر أقوال وأفعال. لكن الصورة ليست وردية تماماً، فالمؤسسات المعنية بالعدالة المناخية لها رأي آخر.
منذ اتفاق باريس للمناخ عام 2015، والذي شكل إطاراً لتوجيه الجهد العالمي لعقود قادمة بشأن التغير المناخي، لم تحظ أي جهود دولية بعدها بالإشادة بنسبة تفوق ما توصل إليه مؤتمر الأطراف الـ 21 في باريس. وبعد ستة مؤتمرات سنوية تلته، كان مستوى الطموح يقل بمرور الوقت لحين عودة عملية "الجرد" لقياس ما تم إنجازه والخروج بنتائج تضمن التزام الدول بخفض انبعاثاتها والعمل معاً للتكيف مع آثار تغير المناخ وتعويض المتضررين.
وكسابقاته، تم وضع مؤتمر الأطراف COP بنسخته الـ28 في دبي تحت المجهر، وكانت الآمال باتخاذ موقف تجاه الوقود الأحفوري على رأس أولويات كافة العاملين والساعين لتحقيق العدالة المناخية. وهذا ما حصل. إلا أن صياغة الموقف تمت على مبدأ "الفوز للجميع"، أي إرضاء الشركات المنتجة للنفط والغاز والاعتراف بجهود الحملة الشعبية التي كافحت من أجل تحقيق هذا المطلب طوال عقود.
وعن إطار سير المفاوضات، أكدت مسؤولة عدالة النوع الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – أوكسفام هديل قزاز لـدوز: "بدأت المفاوضات بالتخلص التدريجي للوقود الأحفوري، وانحرفت النقاشات لتبني الخفض التدريجي، ثم انتهت باعتماد (الانتقال أو التحول بعيداً) عن الوقود الأحفوري. وهذه بالطبع صياغة مخيبة للآمال، كونها غير ملزمة والمدى الزمني المقرون بالوصول لهذا الهدف في 2050 هو فترة طويلة جداً". ومع ذلك، أشادت قزاز بالنص النهائي الذي أشار إلى كافة أنواع الانبعاثات بما فيها الوقود الأحفوري، حيث كان السياق في المؤتمرات السابقة يستثني انبعاثات الوقود الأحفوري ويقتصر على دور الغازات السامة والميثان.
ترحيل جدول الأعمال لأذربيجان
وتعتبر أوكسفام من المؤسسات الدولية، التي تمثل مطالب المجتمع المدني ضمن شبكة العمل المناخي CAN، والتي تشارك في مفاوضات مؤتمر الأطراف لتغير المناخ 28. "فرحنا في بداية المؤتمر عندما باشرت الدول برفد صندوق الخسائر والأضرار بالتمويل المناخي، حيث تعهدت الإمارات بتوفير 100 مليون دولار، وتبعتها الدول الأخرى لحين أن وصل المبلغ إلى 380 مليار دولار". هذا ما قالته قزاز موضحة أن هذه المساهمات لا ترقى للطموحات المتأملة من هذا المؤتمر. وذلك لأن هذه الأموال تكاد لا تسد الالتزامات المناخية عن السنوات السابقة التي لم تحظى بأي بتمويل، حيث كان على كل دولة المساهمة بمليار ضمن صندوق الخسائر ولأضرار. وتقوم فكرة هذا الصندوق على جمع الأموال من الدول المسؤولة بالنسبة الأكبر عن التغير المناخي الناتج عن عمل المصانع والتلوث واستهلاك البيئة، ليتم دفعها إلى الدول الفقيرة الأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي، علماً أنها الأقل تسبباً للتلوث.
وأما بخصوص جدول أعمال المفاوضات، فمن الممكن القول إنه تم ترحيل غالبيته إلى مؤتمر المناخ القادم والمزمع عقده في أذربيجان 2024. وعن هذا تذكر قزاز: "القضايا الأساسية التي كان يجب نقاشها في دبي، تم ترحيلها لمؤتمر السنة المقبلة في أذربيجان. وأبرزها التكيف المناخي، تدابير التخفيف، الطاقة، النوع الاجتماعي". ومع ذلك تؤكد الإمارات الحاضنة لمؤتمر المناخ بنسخته الـ28 أن المخرجات "تاريخية" وتعلل ذلك بأنه ولأول مرة يتم اعتماد إعلان للأمن الغذائي والصحة ضمن سياق مؤتمرات المناخ الأممية. وهذا ما تؤكده أوكسفام، منوهةً إلى أن هذه النصوص كانت معدة مسبقاً قبل منظمي المؤتمر وصادقت عليها مجموعة دول خلال المفاوضات. ما أدى إلى خروج أصوات تنتقد هذه النصوص، التي لم يشارك بصياغتها والتفاوض عليها بقية الدول.
"النوايا الحسنة"
وإنجاز آخر أعلنته الإمارات، هو أن مؤتمر الأطراف COP 28 في دبي يضم هذا الكم من ممثلي القطاع العام والخاص معاً، على مبدأ الشراكة، الذي يراد الترويج له بأنه إعلان حسن نوايا للشركات التجارية والنفطية بالامتثال لأخلاقيات الحفاظ على البيئة وأخذ التغير المناخي على محمل الجد. إلا أن هذا الطرح غير منطقي نظراً لهذا الكم من الشركات النفطية المتواجدة في المؤتمر، ما يعني أن حضورهم يأتي في إطار التشبيك مع الإمارات كونها كبرى الدول النفطية وبحث آفاق التعاون في مختلف المجالات.
وإنجاز ثالث تحسبه الإمارات ضمن المخرجات "التاريخية" للمؤتمر، هو "الأكثر الشمولية"، أي مشاركة مختلف فئات المجتمع بالمنطقة الخضراء التي خصصت لهذا الهدف. وعن هذا توضح قزاز "مساحة الإكسبو الذي ضم مؤتمر الأطراف لعام 2023 شاسعة. وبالتالي فإن تحديد عدد الزوار يتماهى مع المساحة المتوفرة. فمن حضر المؤتمرات الأممية السابقة للمناخ، يلاحظ الفرق بالمساحة. وهذا لا يعني بالضرورة ضمان المشاركة الفعلية والتشبيك، لأن الناس تركوا في مكان مفتوح لكن الأنشطة في قاعات ومبان مغلقة، وقد يضيع الوقت أثناء التجوال للوصول للمكان الذي تقصده، في حال كانت لديك خطة معدة مسبقاً للمكان ومواعيد الأحداث".
ممارسات الأغنياء تصدم الوفود المفاوضة
وعن الطروحات الإقليمية والدولية المقدمة من أوكسفام في جلسات المؤتمر، كان أبرزها عرض تقرير لرؤساء الوفود المشاركة في مفاوضات مؤتمر المناخ (COP 28)، عن اللامساواة والتغير المناخي. وتم عرض هذا التقرير لأول مرة في COP 28 على أن يتم اعتماده بشكل سنوي للمؤتمرات القادمة. ويأتي التقرير تحت عنوان "الملوثون الأغنياء يجب عليهم أن يدفعوا"، بالإشارة إلى أن 16% من الانبعاثات الصادرة عن الوقود الأحفوري تأتي من ممارسات فاحشي الثراء والأغنياء الذين يملكون الطائرات الخاصة واليخوت والمنتجعات الشخصية ويعيشون أنماط حياتية مرفهة بشكل مبالغ فيه، ما يسبب ضرراً بالبيئة ويزيد تسارع التغير المناخي. ويشير التقرير إلى أن هؤلاء الأغنياء يمثلون 1% من سكان العالم، ولكن تأثيرهم على البيئة يضاهي تأثير ثلاثة أرباع التعداد السكاني. وبمقارنة حسابية هذا يعني أن تأثير هذه الفئة القليلة جداً تضاهي تأثير 50 مليار شخص على هذا الكوكب.
وعبر رؤساء الوفود المشاركة في المفاوضات عن صدمتهم من مخرجات تقرير أوكسفام، التي لم تكتف بطرح المشكلة، بل أيضاً أشارت إلى حلول. ومن ضمنها أن يقوم هؤلاء الأثرياء بدفع ضرائب على تكلفتهم البيئية، بحيث يتم احتساب الضريبة بالمقارنة مع البصمة الكربونية للشخص، وبناء عليه تُدفع الضريبة. وتذهب أموال هذه الضرائب لتعويض الضرر الناتج عنهم، لتمويل الدول الأكثر فقراً وتضرراً من التغير المناخي.
ترحيل الأجندة: رب ضارة نافعة
وعلى الصعيد الإقليمي، استعرضت أوكسفام تقريراً مستقلاً عن أثر المناخ على الصحة الإنجابية والجنسية للنساء في المنطقة العربية، التي تشهد نزاعات وحروب وجفاف وتغير للمناخ. وبحث التقرير إمكانية حصول النساء على الخدمات في ظل الواقع المفروض عليهن، وتأثير المناخ على نظام الرعاية الذي توفره النساء للأطفال والمسنين وذوي الإعاقة، وما هي الأعباء المترتبة عليهن في ظل هذه الظروف، كونهن الأكثر تأثراً خاصة في الدول الفقيرة والهشة.
وتؤكد هديل قزاز ممثلة أوكسفام بالمؤتمر، أنه بالطبع كان هناك من يسعى لعرقلة المفاوضات، بالأخص في موضوع التمويل والتزامات الدول. وبعد خروج النتائج النهائية للمفاوضات، ترى قزاز أن تنظيم COP 28 في دولة نفطية له أثر على سير المفاوضات لكن "من حسن الحظ أنه لم تأخذ الإمارات على عاتقها التطرق لكافة مواضيع جدول الأعمال، وتم ترحيل غالبية المواضيع للمؤتمرات القادمة. ما يعني أنه لو حسمت المواضيع كافة في الإمارات لكانت النتائج صعبة للغاية".
دوز
2023-12-16 || 20:52