بكبسة زر: صحافيون يستعينون بالذكاء الاصطناعي لأداء عملهم
يستطيع أي صحفي أن يطلب من الذكاء الاصطناعي كتابة تقرير سياسي أو اقتصادي متكامل، مدعوماً بالأرقام والمراجع في أقل من دقيقة، في حين كان الصحي يجمع المعلومات ميدانياً ويكتب النص بيده، فالذكاء الاصطناعي أداة في يد الصحفي، هل ستتحول إلى بديل؟
قبل عقدين فقط، كانت مهنة الصحافة تقوم على الجهد البشري الخالص: الصحافي يجمع المعلومات ميدانياً، يتصل بالمصادر، يراجع الأرشيف الورقي، ثم يكتب نصه بيده. وكان إعداد مادة واحدة يتطلب ساعات وربما أياماً، واليوم تغير المشهد تماماً، لأنه "كبسة زر"، يستطيع أي صحافي أن يطلب من الذكاء الاصطناعي كتابة تقرير سياسي أو اقتصادي متكامل، مدعوماً بالأرقام والمراجع، في أقل من دقيقة. وبين هذين العالمين، التقليدي والحديث، تقف الصحافة أمام مفترق طرق تاريخي.
ولم تخف مراسلة قناة " LBCI" الصحافية تريزيا رحمة استخدامها لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في عملها اليومي، بل تتعامل معه كأداة مهنية مشروعة. وقالت في حديث مع "المدن":"في الماضي، كنا نلجأ إلى عشرات المقالات والمصادر لنستخلص جملة واحدة أو فكرة دقيقة. أما اليوم، فبفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن إدخال المطلوب، فيعيد البرنامج المعلومة كاملة مع مصدرها. بذلك نوفر الوقت والجهد والتكلفة".
وأضافت رحمة: "بدلاً من أن أقضي ست ساعات في البحث، أحتاج فقط إلى ساعة واحدة أراجع فيها ما أنتجه الذكاء الاصطناعي، وغالباً تكون المعلومات واضحة ومباشرة. بطبيعة الحال، لا يمكن الوثوق بهذه الأدوات بنسبة مئة في المئة، لذلك أتحقق دائماً من المصادر والمراجع التي يقدمها لي النظام. ورغم ذلك، فهو يقدم مساعدة كبيرة، سواء في اقتراح عناوين البداية والخاتمة أو في تبسيط الصياغة وإعادة ترتيب الأفكار".
استخدام الأدوات لا ينتقص من مهارة الصحفي
ورأت رحمة أن استخدام الأدوات لا ينتقص من مهارة الصحفي، بل يعزز إنتاجيته. وأكملت: "الذكاء الاصطناعي لا يأخذ مكاني، بل يجعلني أعمل بذكاء أكبر. تماماً كما استبدل المصور الفيلم بالكاميرا الرقمية، لكنه ظل صاحب العين التي تختار اللحظة المناسبة. الأمر مشابه تماماً في الصحافة".
والصحافة، "لطالما كانت ابنة التكنولوجيا"، حسبما قال أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور راغب جابر، موضحاً لـ"المدن": "الصحافة بطبيعتها مهنة تقنية. في الماضي كنا نعتمد على الأرشيف الورقي والمصادر البشرية، أما اليوم فأصبح الصحافي يحصل على المعلومة من محركات البحث خلال ثوانٍ. ومع الذكاء الاصطناعي، دخلنا مرحلة جديدة بالكامل".
الخطر الحقيقي أن هذه الأدوات تعتمد على ما هو متاح على الإنترنت
وأضاف جابر: "الخطر الحقيقي هو أن هذه الأدوات تعتمد على ما هو متاح على الإنترنت، أي على بيانات قد تكون ناقصة أو منحازة. وبالتالي، لا يمكن الوثوق بها كلياً. الاعتماد الكامل عليها خطر مهني لأنه قد يوجه المادة من حيث لا ندري". وشبه جابر العلاقة بين الصحافي والذكاء الاصطناعي بـ"الجراحة الروبوتية": "الروبوت يستطيع أن يُجري العملية، لكن تحت إشراف الطبيب. كذلك هو الحال في الإعلام: الذكاء الاصطناعي أداة، والصحافي هو من يوجهه ويدقق في نتائجه".
والآلة ربما لا تفهم السياق السياسي أو الثقافي للمعلومة، ولا تميز بين الخبر الصادق والمضلل. هي ببساطة تنسق المعلومات المتاحة أمامها وتعيد إنتاجها بطريقة لغوية جذابة، من دون إدراك لمصداقيتها. وحذر جابر من أن الإفراط في الاعتماد على الأدوات ربما ينتج جيلاً من الصحافيين "الكسالى: "الصحافة ليست جمع معلومات فقط، بل هي بحث وتحليل ومقارنة وتقصٍ. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد، لكنه لا يخلق الصحافي الحقيقي، بل قد يخدره".
الذكاء الاصطناعي فرصة للتحرر من الأعمال الروتينية وتسريع الإنتاج
ويرى الجيل الشاب من الصحافيين في الذكاء الاصطناعي فرصة للتحرر من الأعمال الروتينية وتسريع الإنتاج. أما الجيل المخضرم، فيتعامل معه بحذر وريبة، خوفاً من أن تبتلع الأتمتة روح المهنة.وفي مكانٍ ما بين الاثنين، تتشكل مدرسة جديدة في الصحافة، تسعى إلى الجمع بين "الدقة" القديمة و"السرعة" الحديثة، بين "العين البشرية" و"الذكاء الحسابي"، بين "التحقيق الميداني" و"تحليل البيانات".
والواقع، لا يمكن الإنكار أن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة حقيقية في طريقة إنتاج الأخبار. فهو أداة تسهل العمل وتقلل الجهد وتفتح أمام الصحافي آفاقاً جديدة للبحث والابتكار. لكن الخطر يكمن حين تتحول الأداة إلى بديل. فالصحافة ليست فقط نقل المعلومات، بل أيضاً مساءلة السلطة، وطرح الأسئلة الصعبة، وإعادة تشكيل الرأي العام. وهذه مهام لا تستطيع أي خوارزمية أن تؤديها.كما أن الحس الإنساني، والقدرة على التقاط المعنى خلف الكلمات، لا تُبرمج.Top of Form.
المصدر: المدن
2025-12-23 || 17:21