أطلس التنوع الحيوي في فلسطين - شقائق النعمان
لونٌ أحمر يتوسطه نقاط سوداء، تكتفي فقط بجمال لونها دون أن تفوح منها رائحة، فما هي زهرة شقائق النعمان؟ وما هو سبب تسميتها بهذا الاسم؟ بشقائق النعمان يبدأ دوز بالتعاون مع خبراء بنشر أطلس التنوع الحيوي في فلسطين.
شقائق النعمان تعرف باليونانيّة (anemones) ويعني زهرة الرياح. وتعرف أيضا بالـPoppy وتسمى فتيات بهذا الاسم. هي نبتة موسمية ذات ألوان زاهية ومتنوعة وترتفع 20 إلى 50 سينتيمتراً عن سطح الأرض. واللون الأكثر شيوعا للزهرات المتمايلة مع الهواء هو الأحمر. والزهرة تفتقد للسبلات بينما الجزء الملون كالأحمر هي البتلات. وتحتوي على مواد فعالة طبياً من نوع الـ(Alkaloids) وتنتمي للعائلة الخشخاشية، حيث تنتمي لها نباتات المنتجة للمخدرات مثل الكوكايين والمورفين.
يعرف هذا النبات علمياً بالشقار الإكليلي ويسمى في بعض البلدان بالحنون أو الدحنون أو زهر النساء. وفي بعض المراجع يسمى الخشخاش. تتعدد ألوان الزهرة مثل الأبيض والأرجواني والأصفر، ولكن اللون الأشهر هو الأحمر ويتشابه معها في الاسم نوع حيواني لافقاري هو شقائق النعمان البحرية.
سبب التسميةتنبت هذه الزهرة في فصل الربيع. وتعد أوروبا وشمال أفريقيا والمناطق المعتدلة في آسيا الموطن الأصلي لها. تنتشر في بلاد الشام وتنمو في البيئات شبه الرطبة.
سميت شقائق النعمان (مفردها شقيقة) بالجمع لأنه لا توجد زهرة وحدها بل تنتشر في جماعة. وتكاثرها يكون عن طريق البذور. وتستعمل للزينة وفي أغراض علاجية كثيرة. ومن أهم فوائدها أنها مهدئة للأعصاب ومسكنة للآلام وتستخدم في علاج الأرق والسعال والربو ولتقوية البصر وإطالة الشعر وغير ذلك من المنافع.
شقائق النعمان نبتةً لها مكانة خاصة وجذور تاريخية في بلاد الشام؛ فالفلسطينيون يعدونها زهرتهم، التي ترمز لشهدائهم. ومن هذا المنطلق اتخذتها إسرائيل زهرتها الوطنية، لتكمل مشروع سيطرتها على كل ما يتعلق بأرضنا وتراثنا، واهتم بها اهتماماً كبيراً حتى غدا الاحتلال يصدر 60 مليون زهرة منها سنوياً. ولأن لونها لون الدم فهي ترمز إلى الحروب وموتاها، إذ أقامت بريطانيا معرضاً منها يشمل قرابة مليون زهرة من السيراميك قرب برج لندن في تشرين الثاني 2017، بمناسبة مرور مائة عام على بداية الحرب العالمية الأولى تكريماً لقتلاها، الذين سقطوا في تلك الحرب. وتحتل حيزاً متميزاً لدى الحلفاء فاستخدمت رمزاً لانتهاء الحرب لأنها نبتت في الأماكن التي كانت ساحات قتال.
روايات النعمانتنسب هذه الزهرة ذات النقط السود في وسطها إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة، لأنها نبتت على قبره بعدما قتله كسرى ملك الفرس دهساً تحت أقدام الفيلة بعد غضبه عليه. فكان ذلك الشرارة، التي أشعلت معركة ذي قار. وورد في لسان العرب أنها أضيفت إليه لأنه حمى أرضاً فكثر فيها أو لأنه نزل على شقائق رمل قد أنبتت الشقر الأحمر، فاستحسنها وأمر أن تُحمى فنسبت إليه. ويقال إنه استحسنها فزرعها حول قصره الخورنق. وروي أن النعمان اسم الدم، فشبه لون الشقائق بحمرته.
ترتبط زهرة شقائق النعمان "بأسطورة أدونيس" ارتباطاً وثيقاً، لأنها نبتت من دمه وأخذت لونها منه. الأسطورة تحكي أن قصة حب نشأت بين أدونيس وعشتار، التي أخذت تسدي النصائح له بألا يأمن الحيوانات التي تعترضه، لكن شجاعة أدونيس ما كانت لتوقفها تحذيرات حبيبته، إذ رأى خنزيراً برياً فطعنه برمحه لكنه نزع الرمح الدامي وركض خلف أدونيس الذي فر مذعوراً باحثاً عن ملجأ إلى أن ظفر به الخنزير، فعضه في فخذه عضة دوّت معها صيحات أدونيس في الأجواء، فوصلت أنّاته إلى عشتار التي عادت إليه مسرعةً ورأته مضرجاً بدمائه وراحت تلوم الأقدار. قائلةً: "سوف يبقى أدونيس ذكرى حزن بالغ للأبد وسوف يُمثَّل كل عام مشهد موتك يذكّر بما كان فيه من نواحي عليك ولتنبثقن زهرة من دمائك".
فصبت على دمه رحيق زهرة جميلة، لم يكد يمس دمه حتى أخذ يغلي ويفور وتصاعدت منه فقاعات صافية وبعد ساعات ظهرت زهرة بلون الدم، هي زهرة شقائق النعمان لكنها رقيقة واهية الساق تعصف بها الرياح لا تدوم متعتها إلا مدة محدودة ومن هذه الأسطورة نستدل على معنى التسمية. فأصل كلمة النعمان هي "النحمان". وتعني القائم من الموت والإبدال من الحاء إلى العين شائع في اللغة العربية وفي السريانية "نحم" بمعنى بُعث، حيا.
وارتبطت شقائق النعمان بالغزل وأشعار الجمال والحب وهي ترمز إلى الشوق وانتظار المحبوب. وفي تراثنا الشعبي نجد الحنون وشقائق النعمان حاضرا في الوصف والتشبيه. فيقولون: "وجهه أحمر مثل الحنون". ومن ذلك ما في الدلعونا الشعبية من أبياتٍ تصف المحبوب والشوق له:
"يا ام التَّنوره وشَبَرها لايق.. ضميني بحضنك أربع دقايق"
"قلبي مزهر مثل الشقايق.. بالله اسمعي كلامي وارحمونا"
كتابة: رولا جادالله وخالد صوالحة
المحررة: سارة أبو الرب
*هذا النّصّ لا يعبّر بالضّرورة عن وجهة نظر دوز
2018-01-30 || 18:56