زكريا محمد: الماضي أرض وسيعة
غالباً ما يكون المخفي من ماضي الكتاب والأدباء أغرب مما عرفه قراؤهم. الشاعر الفلسطيني والكاتب زكريا محمد يكتب عن علاقته بماضيه وتشبثه به. دوز يعيد نشر النص كما هو.
لا أتخلى أبدا عن ملابسي القديمة. كيف لي أن أرمي في حاوية القمامة قميصا وقفت به يوما أمام المرآة، وابتسمت لنفسي بمودة؟
أضع ما بلي من ملابسي في أكياس في السدة. لدي أكثر من عشرة أكياس هناك. ولدي أيضا كراتين أوراقي القديمة: قصائد فاشلة، رسائل لم ترسل، رسوم، قطع جرائد، وخربشات. ومرة كل عام أو عامين، أصعد إلى السدة، وأقضي ساعات هناك. أتحسس الأزرار الكبيرة والصغيرة. أبحث في الجيوب، فأجد أحيانا ورقة أو حبة علكة. أقرأ الأوراق فأعثر على قصائد موجعة أجمل من تلك التي نشرتها. وأقول لنفسي: أنا من كتب ذلك؟ أنا؟ لكنني أتركها في مكانها، وأهبط على السلم.
الماضي أرض وسيعة. تستطيع أن تمهد لك مكانا فيه، وأن تأخذ غفوة. وعند موتي سوف تُدفن الأكياس والكراتين معي. هكذا أوصيت أهلي. لا أستطيع أن أضع ماضي على شريط متحرك، كما يفعل المسافرون بحقائبم في المطار، ثم أتركه يمضي في طريق وأنا في طريق آخر.
لا أستطيع. لا أسافر وحدي. آخذ معي الوجوه التي أحببتها، القمصان التي شربت العرق من جسدي، والكلمات التي عذبتني.
الكاتب: زكريا محمد
المحرر: عبد الرحمن عثمان
2015-10-31 || 15:43