15 مليار شيكل عالقة في خزائن البنوك وسلطة النقد تبحث عن حلول
مدير دائرة الاستقرار المالي في سلطة النقد الفلسطينية إياد الزيتاوي، يتحدث عن أزمة الشيكل التي تعاني منها المصارف المحلية، نتيجة رفض البنوك الإسرائيلية استقبال عملة الشيكل، والحلول التي تعمل سلطة النقد على تنفيذها لحماية الاقتصاد الفلسطيني من الانهيار.
في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الفلسطينيون، تواجه البنوك الفلسطينية واحدة من أعقد أزماتها منذ سنوات، وهي تكدّس السيولة النقدية من عملة الشيكل داخل المصارف، دون قدرة على إعادة تصريفها أو تحويلها إلى الجهة المصدِرة في إسرائيل، نتيجة رفض البنوك الإسرائيلية استقبالها.
هذه الأزمة، التي تُعرف شعبيًا باسم “أزمة الشيكل” أو “أزمة الكاش”، أصبحت حديث الشارع الفلسطيني، من أصغر البقالات في الأحياء الشعبية إلى كبار رجال الأعمال والمؤسسات التجارية والوزارات، لما تسببه من شلل تدريجي في دورة المال الفلسطينية، وضغوط متصاعدة على النظام المالي ككل.
برنامج "حوار الواقع" والذي تنتجه شبكة معا الإعلامية بالتعاون مع منظمة مبادئ السلام السويسرية (P4P) وتقدمه الإعلامية رنا أبو فرحة، استضاف في أولى حلقاته مدير دائرة الاستقرار المالي في سلطة النقد الفلسطينية إياد الزيتاوي للحديث عن هذه القضية.
15 مليار شيكل في الخزائن.. وأزمة تتعمّق
يقول إياد الزيتاوي: "هذه الأزمة ليست جديدة، لكنها اشتدت مع تصاعد الحرب الاقتصادية ضد الشعب الفلسطيني. اليوم لدينا ما يقارب 15 مليار شيكل متكدّسة داخل المصارف الفلسطينية، غير قابلة للتحويل إلى البنوك الإسرائيلية. سقف الشحن المسموح به منذ بداية العام لا يتجاوز 18 مليار شيكل، ونحن نعمل منذ شهور على رفع هذا السقف بالتنسيق مع البنك المركزي الإسرائيلي والمؤسسات الدولية".
ويؤكد الزيتاوي أن جوهر المشكلة ليس في نقص السيولة، بل في فائضها النقدي: "مشكلتنا ليست في السحب، كما في بعض دول الجوار، بل في الإيداع. المواطنون ما زالوا يودعون أموالهم بثقة في المصارف، إذ زادت الودائع منذ بداية الحرب بنحو 3 مليارات دولار".
استقرار النظام المصرفي رغم القيود والاحتلال
يرى الزيتاوي أن الثقة بالقطاع المصرفي الفلسطيني لا تزال مرتفعة رغم كل التحديات، إذ تواصل البنوك عملها حتى في أصعب الظروف: "حتى خلال العدوان على غزة، وُجدت فروع عاملة ومحافظ إلكترونية فعّالة، مع أكثر من 700 ألف محفظة مفتوحة في القطاع. هذا يعكس متانة النظام المصرفي رغم الاحتلال وعدم امتلاك عملة وطنية".
وأضاف أن سلطة النقد، المقيدة بـملحق باريس الاقتصادي لاتفاقية أوسلو، تعمل في بيئة مالية “شبه مستحيلة”، لكنها نجحت في الحفاظ على الاستقرار المالي ومواصلة عمل النظام المصرفي في الضفة وغزة والقدس، رغم حجز أموال المقاصة ورفض الجانب الإسرائيلي شحنات إضافية من النقد.
قطاع المحروقات نموذج لحساسية الأزمة
في مداخلة لبرنامج (حوار الواقع)، أوضح أمين سر نقابة أصحاب محطات المحروقات خالد السراحنة، أن الأزمة انعكست مباشرة على عمل المحطات وقال:"محطات الوقود تتعامل يوميًا بالنقد، وإذا رفض البنك الإيداع، فهذا يعني توقف العمل في اليوم التالي. غياب القدرة على الإيداع يعني ببساطة غياب الوقود".
في حين عقب الزيتاوي بالقول: "قطاع المحروقات من أكثر القطاعات الموردة للكاش. تعاونّا مع النقابة لتركيب 220 ماكينة دفع إلكتروني على حساب البنوك، دون عمولات، لتقليل تداول الكاش وتسهيل عملهم".
التحول إلى الدفع الإلكتروني.. من التحدي إلى الضرورة
في ظل القيود المفروضة على تداول النقد، تدفع سلطة النقد نحو التحول التدريجي للدفع الإلكتروني كحل اقتصادي وإستراتيجي، يضيف الزيتاوي "لدينا اليوم 60 ألف حركة يومية عبر نظام الدفع الفوري. هذا يعني أننا على الطريق الصحيح رغم التحديات. نريد تخفيف الاعتماد على الشيكل الإسرائيلي وليس منع استخدامه بالكامل".
وأوضح الزيتاوي أن استخدام بطاقات الدفع والتطبيقات الإلكترونية يسهل المعاملات ويقلل الكلفة والمخاطر الأمنية، مشددًا على أن سلطة النقد لا تشارك بيانات المواطنين مع أي طرف، وأن السرية المصرفية مقدسة، ولا يمكن كشف أي حساب إلا بقرار محكمة.
الجدل حول سقف التعاملات النقدية
وحول ما أُثير بشأن فرض سقف 20 ألف شيكل على المعاملات النقدية، أوضح الزيتاوي: "الحديث لا يتعلق بسقف الإيداع في المصارف، بل بالسقف الأقصى للصفَقات التجارية التي يفضَّل تنفيذها إلكترونيًا. 95% من المواطنين لن يتأثروا، لأن أغلب تعاملاتهم دون هذا الحد".
وأكد أن المشروع ما زال مسودة للنقاش، ولم يُعرض بعد على الحكومة أو الرئيس، موضحًا أن الهدف هو تقليل الكتلة النقدية المتداولة بالشيكل خلال 3 إلى 5 سنوات عبر خطة تدريجية، ومن ضمنها التعامل مع محطات الوقود.
رؤية نحو الاستقرار المالي
رغم صعوبة المشهد، أبدى الزيتاوي تفاؤله بقدرة سلطة النقد على حماية الاقتصاد الفلسطيني من الانهيار، موضحًا أن الجهود الحالية تهدف إلى ضمان بقاء النظام المصرفي فاعلًا، وتأمين الخدمات الأساسية، والحفاظ على ثقة الجمهور.
"نحن أمام احتلال يسعى لتدمير اقتصادنا من خلال أدوات مالية، لكننا نقاوم بأدوات مهنية ومؤسساتية، وبخطط قصيرة وطويلة المدى لإعادة التوازن".
المصدر: معاً
2025-11-16 || 17:01