لأول مرة في الدنمارك: محاكمة متهمين بتدنيس القرآن
بعد العديد من عمليات حرق المصحف في صيف 2023 والتي أثارت احتجاجات في العالمين العربي والإسلامي، شددت الدنمارك تشريعاتها. والآن ولأول مرة، تعقد محاكمة بحق شخصين متهمين بخرق القانون الجديد.
تتجه الأنظار، الجمعة 09.05.2025، إلى جزيرة بورنهولم الدنماركية في بحر البلطيق، حيث من المقرر أن تبدأ محاكمة مثيرة: اتهم رجلان بـ "التعامل غير اللائق مع القرآن الكريم"، والتهمة بالتحديد حرق كتاب المسلمين المقدس أمام الجمهور في خيمة خلال مهرجان عام في حزيران/ يونيو 2024، ومن ثم القيام ببث فعلتهما على الإنترنت عبر فيسبوك. لم يفصح مكتب المدعي العام الدنماركي حتى الآن عن أي تفاصيل حول هوية المتهمين أو معلومات أخرى عن الحادث. ومن المتوقع صدور الحكم في نفس اليوم.
أول محاكمة بموجب القانون الجديد
تعد المحاكمة في مدينة رون، أكبر مدن جزيرة بورنهولم، أول محاكمة جنائية منذ دخول القانون الجديد الذي يجرم "التعامل غير اللائق" مع الكتب الدينية (مثل الإنجيل أو القرآن أو التوراة) حيز التنفيذ. القانون لا يحظر حرق الكتابات الدينية فحسب، بل يجرم تدنيسها أو تمزيقها أو الدوس عليها. وتبعاً لخطورة الجريمة، يمكن معاقبة مرتكبيها بالغرامة أو السجن لمدة تصل إلى عامين.
وقد دخل القانون حيز التنفيذ في 7 كانون الأول/ ديسمبر 2023 بعد أن تسببت عدة عمليات حرق للمصاحف في الدنمارك والسويد في توتر دولي كبير. ففي تموز/ يوليو 2023، أضرم أعضاء من جماعة "الوطنيون الدنماركيون" اليمينية الشعبوية النار في المصاحف أمام عدة سفارات لدول إسلامية في الدنمارك. كما قام كثر باستفزاز الناس بحرق المصاحف. وقد أحصت الشرطة ما مجموعه أكثر من 480 حالة حرق أعلام أو كتب دينية في الدنمارك وحدها في الفترة ما بين تموز/ يوليو وتشرين الأول/ أكتوبر 2023.
حرق المصاحف: تهديد للأمن الداخلي؟
أدت هذه الأفعال إلى ردود فعل غاضبة وانزعاج دبلوماسي واحتجاجات عنيفة في بعض الأحيان في العالم الإسلامي. ومن بين أمور أخرى، هوجمت منظمة إغاثة دنماركية في العراق ووقعت احتجاجات غاضبة أمام السفارة الدنماركية في بغداد. كما تم اقتحام القنصلية السويدية وإضرام النار فيها. وهدد تنظيم القاعدة الإرهابي بشن هجمات في كلا البلدين، مما أجبر على رفع مستوى التأهب الإرهابي إلى ثاني أعلى مستوى في بعض الأحيان.
وعلى هذه الخلفية كان الهدف من القانون الجديد في الدنمارك تعزيز الأمن القومي ومنع المزيد من الاستفزازات. وقد أكد وزير العدل الدنماركي في ذلك الوقت، بيتر هوميلغارد، عند تقديم مشروع القانون أن حرق القرآن "يضر بالدنمارك ومصالحها". ومع ذلك لم يخلو تقديم القانون الجديد من الجدل. فقد سبقه نقاش برلماني استمر أربع ساعات في كانون الأول/ ديسمبر 2023. وخشيت المعارضة وبعض المثقفين الدنماركيين من تقييد حرية التعبير. كما اشتبه المنتقدون في وجود دوافع سياسية، مثل تأمين أصوات المسلمين لترشح الدنمارك لمقعد في مجلس الأمن الدولي لعامي 2026/2025.
وكانت الدنمارك قد ألغت قانون التجديف الذي يعود تاريخه إلى عام 1683 في عام 2017. في ذلك الوقت كان المقصود من إلغاء القانون أن يكون بمثابة إشارة واضحة إلى دول مثل باكستان والمملكة العربية السعودية التي لا تزال تفرض عقوبات قاسية على التجديف. وحتى قبل ذلك كانت هناك نقاشات متكررة في الدنمارك حول حدود حرية التعبير. في عام 2005 نشرت صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية اثني عشر رسماً كاريكاتورياً للنبي محمد مما أثار موجة من الاحتجاجات في دول إسلامية استمرت لأسابيع.
الوضع القانوني غير واضح في السويد
في السويد المجاورة هناك أيضاً نقاشات متكررة من هذا النوع. ولكن على عكس الدنمارك لا يزال حرق المصاحف غير محظور في حد ذاته. ولم تقرر المحاكم السويدية بوضوح حتى الآن ما إذا كانت الفعلة تشكل جريمة جنائية للتحريض على الكراهية أم مجرد شكل من أشكال النقد الديني المسموح به.
ومع ذلك فقد أدانت المحاكم السويدية بالفعل متهمين في قضايا فردية مثل السياسي الدنماركي-السويدي اليميني المتطرف راسموس بالودان. كما تسبب مؤسس الحزب الدنماركي المنشق المعادي للإسلام Strammer Kurs "شترام كورس" (الخط المتشدد) في إثارة ضجة في كلا البلدين بحرقه للقرآن الكريم في صيف 2023 وما بعده. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024 أصدر القضاء السويدي حكماً بحقه بالسجن أربعة أشهر بتهمة التحريض على الكراهية.
كما ساهم سلوان موميكا، وهو آرامي فرّ إلى السويد من العراق بشكل كبير في التوترات بين دول الشمال الأوروبي والعالم الإسلامي من خلال حرق المصاحف في السويد في صيف 2023. وبعد ذلك كرر عمليات تدنيس وحرق علني للمصحف، مما أثار احتجاجات وأعمال شغب في السويد وعلى الصعيد الدولي. ونتيجة لذلك وجهت إليه تهمة "التحريض على الكراهية". ومع ذلك في شباط/ فبراير 2025، قبل يوم واحد فقط من النطق بالحكم المقرر، قُتل بالرصاص على يد مجهولين في شرفة شقته في سودرتاليه في جنوب ستوكهولم. وحُكم على أحد المتهمين بالسجن لعدة أشهر بعد اعتداء القتل بوقت قصير.
بالتعاون مع دويتشه فيله
2025-05-09 || 18:55