تحولت قضية ضبط مصنع السكاكر الفاسدة في نابلس إلى حدث إعلامي بارز، حيث اعتمدت التغطية الصحفية على إثارة الرأي العام عبر تسليط الضوء على حجم المضبوطات وخطورتها الصحية، خاصة على الأطفال. واستخدمت وسائل الإعلام لغة مشحونة بالعواطف والصور الصادمة لتعزيز تأثير القضية، مما أدى إلى تصاعد الغضب الشعبي والمطالبات بعقوبات صارمة على المتورطين. في المقابل، ركزت الرواية الرسمية على إبراز دور الأجهزة الأمنية والرقابية، مما أثار تساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء هذا الزخم الإعلامي والتوقيت الذي اختير لطرح القضية بهذه القوة.
وسط الضجة التي أحدثتها القضية، تساءل كثيرون عن التوقيت والأبعاد الخفية وراء تسليط الضوء عليها بهذا الشكل المكثف، خاصة مع غياب الشفافية في إعلان أسماء الجناة. فهل كانت هذه الحملة مجرد خطوة لحماية المستهلك، أم أن هناك اعتبارات أخرى دفعت إلى تصديرها في هذا الوقت تحديدًا؟
خلفيات الموضوع
تمكنت طواقم وزارة الاقتصاد الوطني بالتعاون مع جهاز الأمن الوقائي والضابطة الجمركية ووزارة الصحة من إحباط عملية تزوير استهدفت صحة المواطنين في مدينة نابلس، خاصة الأطفال. تم ضبط أطنان من السكاكر والحلويات والشيبس منتهية الصلاحية، كانت معدة لإعادة تغليفها وتزوير تواريخ صلاحيتها قبل طرحها في الأسواق. كما تم اكتشاف مخزن يحتوي على مواد غذائية مخزنة في ظروف غير إنسانية، بعضها منتهي الصلاحية منذ أكثر من عام، وتحمل علامات تجارية مقلدة. وصف المسؤولون المشهد بالكارثي، مؤكدين أن الكمية المضبوطة تجاوزت 6 أطنان من السلع الفاسدة.
وصف وزير الاقتصاد الوطني محمد العامور العملية بأنها “جريمة مكتملة الأركان” بحق الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن الحكومة لن تتساهل مع المتورطين. وأشار إلى أن التحقيقات جارية لتتبع شبكة البيع والتأكد من عدم وصول هذه المنتجات الخطيرة إلى الأسواق أو المدارس. كما أكد المسؤولون على ضرورة تطبيق القوانين بشكل صارم، بما في ذلك نشر أسماء المتورطين بعد صدور الأحكام، بهدف ردع أي محاولات مستقبلية لتكرار مثل هذه الجرائم. وأكدوا أن صحة المواطنين هي أولوية قصوى، وأن الجهات الرقابية ستواصل عملها لحماية المجتمع من أي تهديدات صحية.
أثارت القضية الرأي العام الفلسطيني واستحوذت على اهتمامه، وقد تناول الفلسطينيون الموضوع من زوايا مختلفة عبر المنصات الرقمية، فضلا عن الأبعاد الإعلامية الواسعة التي أخذها الموضوع والتي أثارت الشكوك حول الأسباب الحقيقية لإثارة القضية في هذا الوقت بالذات.
اتجاهات الجمهور
تعكس تعليقات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي انطباعات وتوجهات تعبر عن المواقف الشعبية تجاه قضية ضبط مصنع السكاكر غير القانوني وتزوير تواريخ انتهاء الصلاحية، والتي تركت أثرا في الآراء التي تضمنتها مشاركات الناس عبر المنصات الرقمية، ويمكن تصنيف هذه التعليقات في أبعاد مختلفة أبرزها:
مشاعر الغضب والاستياء شديد
يتضح من غالبية التعليقات أن هناك موجة غضب عارمة واستياءً شعبياً كبيراً تجاه هذه القضية. ينظر الجمهور إلى الفاعلين على أنهم مجرمون يتاجرون بأرواح الناس، خصوصاً أن المنتجات المغشوشة موجهة للأطفال. العديد من التعليقات حملت طابعًا عاطفيًا قويًا، مثل “حسبي الله ونعم الوكيل” و”يا ويلهم من الله” و”تجار الموت”، مما يعكس حجم الإحساس بالخيانة والغضب.
المطالبة بالشفافية والمحاسبة العلنية
لاحظت الجماهير أن السلطات لم تعلن أسماء التجار المتورطين، مما أدى إلى تكرار المطالبات بضرورة كشف الأسماء حتى يتمكن الناس من مقاطعتهم، حيث جاء في تعليقات كثيرة:
- “طالما بم تفصحو عن اسم التاجر فأنتم شركاء لهم”
- “نطالب بنشر أسماء المحلات المتورطة حتى نعرف كيف نحمي أنفسنا وأطفالنا”
هناك شكوك واسعة بين الجمهور حول إمكانية “التستر” على التجار الفاسدين نتيجة وجود نفوذ لهم أو علاقات مع جهات رسمية، وهناك نسبة كبيرة من التعليقات ترى أن الحملة ضد المصنع ليست بدافع حماية المستهلك فقط، بل ربما تكون محاولة لصرف الانتباه عن قضايا أخرى أو “تلميع صورة” الأجهزة الأمنية.
فقدان الثقة بالأسواق وارتفاع الوعي الاستهلاكي
أصبحت هناك حالة من التشكيك في المنتجات الغذائية المتوفرة في الأسواق، إذ عبّر كثيرون عن قناعتهم بأن حالات الغش التجاري منتشرة بشكل واسع، وليست فقط محصورة بهذا المصنع. مثلاً:
- “يعني كل شي بالسوق منتهي؟ حسبي الله”
- “لازم وزارة الاقتصاد تصادر كل المنتجات الغذائية وتفحصها”
- “ما عاد الواحد يثق بأي شيء معروض للبيع، حتى العروض شكلها كلها مغشوشة”
المطالبة بعقوبات صارمة
الغضب الشعبي انعكس في المطالبات بفرض أشد العقوبات على المتورطين، حيث تكررت اقتراحات مثل:
- السجن المؤبد أو الإعدام
- مصادره أموال الفاعلين وإغلاق المحلات
- “خلوه يأكل من نفس المنتجات المغشوشة لمدة سنة”
هذه المطالب تعكس رغبة الجمهور في تحقيق العدالة بشكل حاسم لمنع تكرار مثل هذه الجرائم.
الجدل حول التغطية الإعلامية والجدوى من إعلان القضية
أثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت هذه القضية تُستخدم فقط كوسيلة لإلهاء الناس عن قضايا أخرى، حيث كتب البعض:
- “رفعوا سعر الكهرباء 8%، فبدهم يشغلونا بالسكاكر”
- “إذا مش راح تنشروا أسماء التجار، ليش بتعملوا ضجة؟”
- “بكرة بيرجع يفتح مصنع جديد والناس بتنسى”
البعد الديني والأخلاقي
هناك تكرار واضح لاستخدام الدين في النقاش، حيث تم وصف الفاعلين بأنهم “عديمو الضمير”، و”لا يخافون الله”، كما أن الكثيرين ربطوا الجريمة بانتشار الأمراض والأوبئة كنتيجة “لأكل الحرام”.
يبدو أن هذه القضية ستبقى مؤثرة في الوعي الشعبي لفترة طويلة، خاصة إذا لم يتم التعامل معها بشفافية واضحة من الجهات المختصة.
تحليل إعلامي للقضية
يتضح أن القضية أخذت بعدا إعلاميا لافتا، ما يستدعي قراءة المشهد الإعلامي المصاحب لها.
أولاً: التغطية الإعلامية للقضية وأسلوب عرضها
اعتمدت التغطية الإعلامية لهذه القضية على عنصر الإثارة والصدمة، حيث تم إبراز حجم المضبوطات والآثار الصحية المحتملة بطريقة تثير الرأي العام. في هذه الحالة، يمكن ملاحظة عدة نقاط في تناول القضية إعلاميًا:
التركيز على حجم المضبوطات: استخدام أرقام ضخمة (مثل 11 طن، 6 أطنان) لجعل القضية تبدو أكثر خطورة وإثارة للقلق العام.
التشديد على الخطر الصحي: إبراز أن المنتجات المغشوشة كانت موجهة للأطفال، مما يزيد من الاستياء الجماهيري.
تسليط الضوء على دور الأجهزة الأمنية: تم التركيز على دور وزارة الاقتصاد والأمن الوقائي في ضبط المصنع، مما يعكس صورة إيجابية عن قدرة الأجهزة الرسمية على حماية المستهلكين.
غياب التفاصيل الحاسمة: لم يتم الكشف عن أسماء المتورطين، مما أدى إلى حالة من الشك في جدية الإجراءات، وساهم في انتشار نظريات المؤامرة بين الجمهور.
ثانيًا: الأبعاد السياسية المحتملة وراء الإعلان عن القضية
قد يكون الإعلان عن ضبط مصنع السكاكر غير القانوني مدفوعًا بعدة دوافع سياسية وإعلامية، منها:
تحقيق مكاسب للسلطة في ظل التراجع الشعبي
تعاني السلطة الفلسطينية من تراجع في شعبيتها نتيجة الأزمة الاقتصادية، والفساد، والتنسيق الأمني، وقد يكون إبراز مثل هذه القضايا محاولة لإظهار الحكومة كمدافع عن حقوق المواطنين وصحتهم.
الإعلام الحكومي قد يستغل القضية ليُظهر أن السلطة تقوم بدورها في حماية المستهلكين، مما يعزز موقفها أمام الجمهور.
تحويل الانتباه عن قضايا أكثر حساسية
قد يكون الإعلان عن هذه القضية في هذا التوقيت أسلوبا لتحويل الأنظار عن أزمات سياسية أو اقتصادية أخرى، مثل ارتفاع الأسعار، انقطاع الرواتب، أو قضايا الفساد الأكبر، فضلا عن سعيها لتحسين سمعتها التي تأثرت كثيرا وطنيا إثر ما جرى في مخيم جنين.
بعض التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي ألمحت إلى أن الإعلان جاء في سياق “إلهاء الناس”، مثل القول بأن “رفعوا سعر الكهرباء 8% فبدهم يشغلونا بالسكاكر”.
إن التركيز الإعلامي على هذه القضايا يُوظَّف لتحديد أولويات النقاش العام، بحيث يصبح الحديث في وسائل التواصل حول السلع الفاسدة بدلاً من القضايا السياسية والأمنية.
شكوك لعدم الإفصاح عن المتورطين
عدم نشر أسماء التجار المتورطين أثار الشكوك حول انتقائية السلطة في تطبيق القانون، حيث تساءل الكثيرون عن سبب التستر على الأسماء، مما قد يشير إلى علاقات بين بعض المتورطين وجهات نافذة.
قد يكون هناك تصفية حسابات تجارية أو سياسية غير معلنة وراء استهداف هذا المصنع تحديدًا، بينما يتم التغاضي عن حالات أخرى مشابهة.
كما أن عدم الكشف عن أسماء المتورطين قد يكون تعزيزا للاستنتاجات السابقة التي تذهب لتحقيق أبعاد سياسية وصرف انتباه الناس عن قضايا أخرى، لذا فهو يثير الشكوك حول وجود تلاعب في المعلومات، وقد يُفسر بأنه حماية لأطراف معينة
تعزيز دور الأجهزة الأمنية في أعين الجمهور
الإعلان المكثف عن دور الأمن الوقائي في كشف التزوير يعزز صورة الأجهزة الأمنية ويعيد بعض الثقة بها، خصوصًا في ظل الانتقادات التي تواجهها بسبب قضايا أخرى، وتضخيم الحدث إعلاميًا يخدم في تلميع صورة الأجهزة الأمنية والضابطة الجمركية، خاصة في ظل الانتقادات الموجهة للسلطة بسبب ضعف الأداء الأمني في مواجهة الاحتلال أو الفساد الداخلي.
الترويج لإنجازات الأجهزة الرسمية يساعد في إضفاء شرعية على وجودها وأدوارها، خاصة في ظل غياب أفق سياسي واضح.
تسويق هذه الحملات الإعلامية يعطي انطباعًا بأن الجهات الرقابية تعمل بفعالية لحماية المستهلك، رغم التساؤلات حول سبب غيابها عن السوق لفترات طويلة قبل هذه الحملة.
توقيت الإعلان وعلاقته بالسياق السياسي
تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية: يأتي الإعلان في وقت تتعرض فيه الضفة الغربية لهجمات مستمرة من قبل الاحتلال، وهناك تصعيد في عمليات التهجير وهدم المنازل. بعض المعلقين ربطوا الحملة ضد المصنع بمحاولة لصرف الانتباه عن هذه القضايا.
محاولات استعادة الشرعية الشعبية: تواجه السلطة الفلسطينية انتقادات حادة بسبب سياساتها الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، لذا فإن الإعلان عن حملات ضبط المخالفات الغذائية قد يكون جزءًا من استراتيجية لاستعادة ثقة الشارع الفلسطيني.
ضبط السوق في ظل الأزمة الاقتصادية: مع ارتفاع الأسعار وتدهور الوضع الاقتصادي، تحاول السلطة إظهار أنها قادرة على التحكم بالسوق وحماية المستهلك من الغش التجاري، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي.
ثالثًا: التأثيرات المستقبلية
إذا لم يتم فرض عقوبات شفافة ورادعة، ستتعمق أزمة الثقة بين المواطنين والسلطة، وغياب نشر الأسماء سيؤدي إلى استمرار التشكيك في نوايا الحملة، وقد يتم استغلال القضية لاحقًا لمزيد من حملات “العلاقات العامة” للسلطة، خاصة إذا أعيد طرحها في مناسبات سياسية معينة.
رابعًا: المستفيدون من الإعلان عن ضبط المصنع
السلطة الفلسطينية: يعزز هذا الإعلان موقفها كجهة مسؤولة عن تطبيق القانون، في وقت تتعرض فيه لانتقادات متزايدة بسبب ضعف أدائها السياسي والاقتصادي.
الأجهزة الأمنية: تظهر كجهة فاعلة تحارب الفساد وتحمي المواطنين، وهو أمر مهم لتعزيز شرعيتها في نظر الجمهور.
التجار المنافسون.
الخاتمة
خلاصة اتجاهات الجمهور تظهر حالة من الغضب والاستياء الشديد تجاه قضية السكاكر الفاسدة، مع مطالبات بفرض الشفافية والمحاسبة العلنية للتجار المتورطين؛ فالعديد من المواطنين عبروا عن فقدان الثقة بالأسواق والمنتجات الغذائية، وأكدوا على ضرورة تطبيق عقوبات صارمة. كما ظهرت تساؤلات حول دافع الإعلان عن القضية في هذا التوقيت، مع وجود شكوك حول إمكانية التستر على بعض المتورطين. إضافة إلى ذلك، تطرق النقاش إلى أبعاد دينية وأخلاقية، حيث ربط البعض الجريمة بتأثيراتها الصحية والأخلاقية.
من الناحية الإعلامية، يبدو أن الإعلان عن ضبط مصنع السكاكر جزء من استراتيجية لصرف الانتباه عن قضايا أكثر خطورة، وإعادة توجيه الرأي العام نحو قضايا فرعية يمكن السيطرة عليها بسهولة إعلاميًا، فالسلطة تستفيد من هذه الحملات في تحسين صورتها، وخلق انطباع بوجود جهاز رقابي قوي، رغم أن الواقع يشير إلى خلل في الرقابة المستدامة. كما أن نجاح هذه الاستراتيجية الاتصالية يعتمد على مدى وعي المواطنين بإدارة الخطاب الإعلامي، وقدرتهم على التمييز بين القضايا الجوهرية والهامشية.
اعتمدت القراءة التحليلية على رصد تفاعلات الجمهور عبر المنصات الرقمية حول القضية، معتمدة على تعليقاتهم على المنشورات الخاصة بالقضية، حيث شملت العينة عددا من المنصات على فيس بوك وتلغرام وصفحات إذاعات محلية وصفحات رسمية وغير رسمية، فضلا عن تنوع المنصات بين المحلية على مستوى المحافظات وعلى مستوى الوطن.
المصدر: مركز مقاربة للدراسات