هـآرتـس: اليـوم الـتالـي.. سـؤال مؤجّـل منـذ 57 سنـة
يتحدث المفكر الإسرائيلي يوسي كلاين عن ظاهرة انتشار "الزعران" في صفوف الحكومة، ويرى أن هؤلاء يعانون من مشاعر الدونية والتهميش، ويجدون في العنف والفوضى وسيلة للتعبير عن أنفسهم والشعور بالقبول، ويُشير لفقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية، بما في ذلك الحكومة، نتيجةً لوعود فارغة وتصريحات كاذبة.
ذات صباح عندما استيقظ ج من أحلامه الهستيرية، رأى أنه أصبح شخصاً لديه رسالة وهي إنقاذ الدولة. في تشرين الأول هو لم يتم تجنيده (بسبب مرضه)، لكن بعد فترة قصيرة وصل إلى مؤخرة العدو، إلى ميدان المخطوفين، كي يمسك أحداً ما ويشوه مظهره. كان يعرف أن الركلة لها ثمن. وأنه في الشبكات الاجتماعية سيسمى «الأزعر» و«الغوغاء». ماذا في ذلك؟ ليقولوا ما يريدون.
ج. شعر بأنه كوماندو من شخص واحد، يفعل ما شخشى الآخرون فعله. كان على ثقة بأنه يمتثل لأوامر كان يجب إعطاؤها ولكن لم يتم ذلك. هو جاء مستعداً. الفشل في حياته الخاصة جعله يبحث عن ثغرة خروج في الحياة الوطنية. كان لديه الكثير من الوقت. أنا لست مجرد أزعر، غبي وعنيف، قال لنفسه مرة تلو الأخرى، أنا أقدم للدولة التي لا تقدم لي أي شيء.
ج. ليس ظاهرة نادرة. فالزعران مثله يوجد منهم في أي دولة وفي أي زمن. هم «الحفنة» و«الأعشاب الضارة»، هم اليكس من «البرتقالة الميكانيكية» وبريتس من «اس.إي» واوليئيل من دوما ومحلوق الرأس من تشيلسي. جميعهم أخوة، جميعهم زعران. جميعهم يعتبرون أنفسهم وطنيين. جميعهم يبحثون عن طريقة لتقبلهم في المجتمع الذي يلفظهم. في مجتمع مستقر، هم في الهامش. في مجتمع ينهار هم في الحكومة.
الحكومة كمنظمة جريمة
الحكومة التي يجلس فيها الزعران هي منظمة جريمة. هذه حكومة تتبنى معايير عائلة جريمة. قبل أي شيء الإخلاص للرئيس وأبناء عائلته وبعد ذلك لأصدقائه. هي حكومة سخية ومبذرة. هل ينقصك أي شيء؟ رصيف أمام البيت؟ مطار؟ فقط قل ما الذي ينقصك. كيف تتحول حكومة منتخبة وشرعية إلى منظمة جريمة؟ تضع مجموعة معيارية لغرفة الخزنات وتضع المفاتيح في جيبها. وتحيطها بحراس عتبة كسالى وناخبين لامبالين، وسترى كيف أنه بعد عشرين سنة ستجدهم يوزعون على مقربيهم الأموال التي ليست لهم. يشارك في ذلك حتى من لم يأخذوا، من يشاهدوا ويصمتوا. المقربون يعرفون ما الذي يريده الرئيس، حتى لو أنه لم ينبس ببنت شفة. من أجله هم يقلبون شاحنات المساعدات. من أجله هم يركلون المتظاهرين. بدلاً منه هم يثيرون أعمال الشغب في المناطق. احتراماً له هم يخلقون الفوضى. في الفوضى تزدهر نماذج القمصان باللون البني والوشم والأهداب. خذوا ج. من ركلات عائلات المخطوفين وألبِسوه قميصاً بنياً وتخيلوه في الـ 33 وسترون كيف أنه سيضرب اليهود وكأنه ولد من اجل ذلك. لغة الزعرنة هي لغة عالمية. دائماً ستكون حاجة إلى من يعرف كيفية ضرب الرأس وكسر الأرجل. في الحكومة يستمرون في الركل والكسر، فقط بشكل أكبر. هم لم يتغيروا. نفس الشعور بالدونية والغطرسة التي تغطي على عدم الشجاعة. لا يوجد لديهم ما يخسرونه. خارج الحكومة لا ينتظرهم أي شيء. هم جاؤوا من الشارع، وهم جلبوا الشارع إلى الحكومة. يجلس في الحكومة أزعر مع شهادة. انظروا كيف أن الجميع حوله يتبولون على أنفسهم.
تهديدات فارغة.. لم نعد نصدقه
هل تريدون أن أبقى فقط معهم؟ هدد نتنياهو. ليهدد. منذ زمن لم نعد نصدقه. نحن لا نصدق أي شيء يقوله. لا نصدق أن المخطوفين الذين تمت إعادة جثامينهم قد قتلوا في الغلاف قبل ثمانية أشهر، أو في الأنفاق مؤخراً. نحن لا نصدق التصريحات حول «الالتزام بإطلاق سراحهم». نعم نصدق أنه ستأتي لحظة سيعلن فيها أن المخطوفين هم أموات «قدّيسون» شريطة نزول المزعجين اللحوحين من عائلات المخطوفين عن ظهره.
إن عدم الثقة عابر للفترات. لن نصدق ما وعدنا به الآباء والمعلمون والقادة والزعماء الذين قالوا إننا أذكياء وأقوياء. لقد تبين أننا ضعفاء ونعتمد على الآخرين. لن نصدق أيضا «لا يوجد لنا أي مكان لنذهب إليه». بالتأكيد يوجد لنا: الأماكن التي لا يقتل فيها اليهود، ولا يكون دين معين شرطاً للعيش فيها. ستتفاجؤون، توجد مثل هذه الدول.
57 سنة من الصمت.. ما اليوم التالي !!
هل تم اختطافنا من قبل منظمة جريمة؟ بالتأكيد لا، نحن استسلمنا. قمنا بالإقصاء والتناسي. منذ ثمانية أشهر يزعجنا سؤال ماذا سيكون في قطاع غزة في «اليوم التالي». هذا سؤال جيد، لكن لماذا نحن نصمت منذ 57 سنة، ولم نسأل ما الذي سيكون في اليوم التالي في المناطق؟ إذا لم تكن دولة فلسطينية في اليوم التالي فماذا سيكون؟ وإذا لم تكن دولة أبرتهايد فماذا سيكون؟ لم نطلب أي إجابة، والسياسيون كانوا سعداء بعدم إعطائها. نحن أدمنّا على «إدارة النزاع»، والآن نحن نوجد في أزمة.
الكاتب: يوسي كلاين/ هآرتس
2024-05-31 || 14:05