لماذا يؤمن البعض بوجود الله بينما لا يؤمن آخرون؟
يؤمن أغلب البشر بالله، إلا أن البعض لا يؤمن بوجوده. فإن كنت تعتقد أن الأمر يعود بالأساس لدرجة تدين الأب والأم، فربما تكون مخطئاً. فما السبب إذن وراء الاختلاف في درجات إيمان البشر؟ دراسة تجيب على هذا السؤال.
درجات الإيمان بدين ما تؤثر بشكل جوهري على حياة البشر، بداية من بناء الإنسان هويته وانتماءه لمجموعات اجتماعية معينة والاقتراب من أشخاص واستبعاد أخرين، ووصولاً لعالم السياسة بكل ما فيه سواء، على المستوى المحلى أو الدولي.
ولهذا سعت مجموعة من العلماء بجامعة جورج تاون الأمريكية في واشنطن إلى التعرف على طبيعة العملية المعرفية بمخ الإنسان والتي تختلف على أساسها درجات التدين والإيمان.
ووفقاً للدراسة المنشورة مؤخراً بمجلة "Nature Communications" العلمية، يرى العلماء أن الإيمان بدين ما وتشكيل المعتقدات الدينية لدى الإنسان هو عملية ذات طبيعة إدراكية وحسية بالأساس، ما دفع الباحثين للاعتقاد بأن دراسة الاختلافات الفردية بين البشر من شأنها المساعدة في فهم الاختلاف في درجات إيمانهم.
ويقول الاستاذ المساعد بقسم علم الاجتماع ومدير مختبر جورج تاون للإدراك الاجتماعي، آدم غرين، والمشرف على الدراسة: "الإيمان بوجود إله يتدخل في العالم لخلق نظام يعتبر المكون الرئيسي للأديان".
أسباب الإيمان
ولكنه يوضح أن الدراسة لا تستهدف إثبات وجود الله، بل تستهدف التعرف على أسباب الإيمان وكيفية حدوثه، على حد تعبير غرين، ما أورد موقع "ديلي سيانس" العلمي.
ويضيف غرين: "فرضيتنا هي أن الأشخاص ذوي الفطنة والقدرة الجيدة على إدراك البيئة المحيطة بهم بشكل غير واعي ربما ينسبون كل ما يحدث ليد عليا أكبر".
وتم إجراء الدراسة على 199 مشارك مسيحي من واشنطن بالولايات المتحدة و149 مشارك مسلم من كابول بأفغانستان، واعتمد الباحثون في دراستهم على اختبار معرفي معتمد لقياس عملية التعلم والإدراك لدى المشاركين بالدراسة، إذ كان مطلوباً من المشاركين الضغط على زر بمجرد رؤية مجموعة من النقاط التي تظهر وتتحرك سريعاً على شاشة كمبيوتر.
ولاحظ الباحثون أن المشاركين ممن يتمتعون بقدرات إدراكية وحسية مرتفعة تمكنوا من تتبع حركة النقاط جيداً، لدرجة أن بعضهم ضغط على الزر حتى من قبل ظهور النقاط، لتمكنهم من التنبأ بحركة النقاط القادمة. بينما لم يتمكن الأشخاص الآخرون من أصحاب القدرات الإدراكية والحسية الأقل من القيام بالشيء نفسه، بالرغم من أن بعضهم لديه قدرة كبيرة على التعلم.
القدرات الإدراكية
ويشير غرين إلى أن ملاحظة ما يحدث للإنسان منذ الطفولة وحتى البلوغ هو أمر "مثير للاهتمام". ويوضح أنه وفي حالة إدراك الأطفال بشكل غير واعي للبيئة المحيطة والأنماط السائدة فيها، من المحتمل أن تزيد درجات إيمانهم مع مرور الوقت، حتى وإن تربوا بمنزل غير متدين.
والعكس صحيح، فإن لم يكن لدى الأطفال قدرة على إدراك البيئة المحيطة وما بها من أنماط سائدة، من المحتمل أن يضعف إيمانهم مع مرور الوقت، حتى وإن تربوا داخل أسرة متدينة.
وتوصل العلماء في النهاية إلى أن القدرات الإدراكية والحسية لدى البشر من شأنها لعب دور أساسي في تحديد درجة الإيمان بالله وقدرته على تنظيم شؤون البشر، وأن قوة الإيمان منذ الطفولة وحتى البلوغ لا تتوقف بالضرورة على معتقدات الأسرة وما يحصل عليه الطفل من تعليم.
ويرى غرين أن الجانب الأكثر إثارة بالدراسة هو "رؤية كيفية تكرر أنماط الإدراك ما بين تلك الثقافتين المختلفتين"، مضيفاً أنه "ربما يتشابه الأمريكان والأفغان فيما بينهما أكثر مما يختلفان، على الأقل بالنسبة لعمليات ذهنية تتعلق بالإيمان بالأديان وفهم العالم المحيط بنا".
بالتعاون مع دويتشه فيله
2020-09-13 || 22:49