هـآرتـس: الحكـومـة الإسـرائيلية.. الانـتـقـام بـدلاً مـن الاسـتراتـيجـية
يناقش محلل الشؤون العربية والشرق أوسطية تسفي برئيل ما إذا كان الانتقام من إيران هو الاستجابة الصحيحة لهجومها الأخير على إسرائيل، ويُجادل بأن الانتقام ليس هو الحل بل يجب التركيز على الاستراتيجية في الدفاع والردع، ويحذر من مخاطر الهستيريا والضعف الداخلي.
لا يمكن أن تكون هناك عملية زائدة وخطيرة ومهددة أكثر من الانتقام الأعمى الذي تنوي الحكومة الإسرائيلية القيام به في إيران.من المهم التذكّر أن إسرائيل هي التي بدأت التفجير عندما قامت بتصفية الجنرال محمد رضا زاهدي، قائد قوة القدس في سورية ولبنان.والأكثر أهمية الاعتراف بحقيقة أن هذا الاغتيال، مهما كانت أهميته، لم يكن ليخرج إلى حيز التنفيذ لولا أنه استند إلى التصور المتبجح بأن إيران دولة تقوم بضبط النفس، حيث ضبطت نفسها إزاء اغتيال علماء الذرة، من بينهم محسن فخري زادة رئيس المشروع النووي، ورئيس مخابرات الحرس الثوري بسورية في كانون الأول، ومنسق الاتصالات بين إيران و"حزب الله" في كانون الثاني، وعشرات العلماء والشخصيات الإيرانية الرفيعة خلال سنوات كثيرة.
إيران بالطبع مذنبة. فقد جعلت إسرائيل تتعود على أنها مردوعة، أو على الأقل تضبط النفس. وهذا بالضبط ما فعلته "حماس"، وأيضاً "حزب الله" ما زال يحرص على معادلة الندية الحالية ولا يقوم بشن حرب شاملة. فجأة، مثل القول الخالد لنائب الرئيس الأميركي سبيرو انغيو: "أولاد الحرام غيّروا القواعد ولم يبلغوني بذلك". إن إسرائيل التي تعرف بشكل دقيق أين ينام كل شخص إيراني رفيع، وفي أي سيارة يسافر أولاد وأحفاد إسماعيل هنية، تتصرف وكأنها تتلمس الطريق في الظلام عندما يتعلق الأمر بتحليل وفهم نوايا الأعداء.
الانتقام هو بديل مغرِ
زعماء إيران يقولون بأنفسهم: إنهم في هذه المرة ينوون الرد بقوة. وحتى الآن لم تدرك، تقريباً حتى اللحظة الأخيرة، أن الأمر يتعلق بهجوم مباشر عليها وبحجم غير مسبوق. الآن يبدو أن الغضب الكبير الذي تراكم منذ ليل السبت الماضي ليس على الهجوم نفسه، الذي تم إحباطه بنجاح، بل على وقاحة الإيرانيين، وبالأساس على الفشل الاستخباري الذريع، مرة أخرى، الذي لم تقدر فيه إسرائيل بشكل صحيح ماذا ستكون نتائج تطاولها في سورية. وكأنه لا مناص من الرد على الإهانة، وفي ظل عدم وجود إستراتيجية فإن الانتقام هو بديل مغرٍ. وإنه من دونه هي ستفقد الردع، وستتحطم مكانتها الدولية والوطنية، وأنه توجد فرصة نادرة لتوجيه ضربة لن تنساها إيران. لكن عن أي ردع وعن أي مكانة تتحدث هذه الحكومة؟
الهستيريا الانتقامية
رغم الكارثة الفظيعة في 7 أكتوبر/تشرين الأول والفشل الذي كشفت عنه، فإن إسرائيل لا تزال على قناعة بأن صورة الدولة الهستيرية، التي تعربد وتركل في كل مكان وتقوم بحركات لا يمكن السيطرة عليها وتدمر وتقتل من دون تمييز، ستضمن سلامتها. لكن بالذات هذه الهستيريا الانتقامية هي التي جعلتها مجذومة، والضعف الداخلي فيها هو الذي أوجد وغذى من يسمّى رئيس الحكومة وحطم قدرة ردعها. الدولة والحكومة تدين بدين كبير، ليس للردع والمكانة، بل للولايات المتحدة والغطاء القوي والمفاجئ من الدول العربية التي تعاونت من أجل إحباط هجوم إيران. الآن هذه الدول العربية تدرك أنها سقطت في مسار السهم المرتد الذي تخطط له إسرائيل.
الحقيقة المعاكسة
بالنسبة للحكومة وبعض الجهات الحكومية، فإن الدفاع الناجع والإفشال المدهش لهجوم إيران، هو للضعفاء. هم لا يمكنهم اعتبار أنهم حققوا أي إنجاز إذا لم يكن لديهم عرض للعقاب الانتقامي. الحقيقة معاكسة. لأن الدفاع الناجع جزء أساسي في الردع والأمن، أكثر من الانتقام المنفلت العقال. لأنه لو كان لدينا في 7 أكتوبر/تشرين الأول القليل من الدفاع والقدرة على الإحباط التي تم استعراضها ليل السبت الماضي، لكان تاريخ إسرائيل سيكون مختلفاً. هنا تأتي المفارقة. فرغم أن الثأر في غزة لم يحقق أهداف الحرب، فإن الجمهور المستعد لابتلاع الإهانة ووقف الحرب في غزة من أجل إطلاق سراح المخطوفين، لا يتردد في الشراء من وكيل الأكاذيب نفسه بضاعة الانتقام من إيران كمنتج مثالي، التي هي فقط ستضمن أمن الدولة.
الكاتب: تسفي برئيل/ هآرتس
2024-04-18 || 11:58