رأته بأم عينها يسرق الذهب الخاص بوالدتها ويضعه في جيبه، خافت أن تصرخ عليه خشيةَ إطلاق رصاص محتمل، فالأسلحة كانت تحيط بهم من كل صوب. وعندما همّ الجيش بالخروج من المنزل المحاصر، تجرأت وخاطبت قائد الكتيبة، وأخبرته أن جندياً من عناصره سرق الذهب وأخفاه في جيبه. نظر إليها باستخفاف نافياً ذلك وتوجه مع جنوده خارجاً.
وفي منزل آخر، اتخذ الجنود من غرفة الضيوف مسرحاً لعرض الأزياء، وذلك من خلال ارتداء ملابس داخلية نسائية كانت في خزانة الملابس الخاصة بإحدى سيدات المنزل. لم يكن الحدث سرياً أو خاصاً بطقوس شاذة لجنود الاحتلال الإسرائيلي، بل تعاملوا مع الحادثة بفخر واستهزاء، ما دفعهم لتصوير مقطع فيديو وهم يرتدون الملابس الداخلية النسائية ونشره عبر "تيك توك".
لم تعد سرقة الأموال حوادث عرضية، بل تكررت حتى بات معروفاً لدى الفلسطينيين في جنين وغيرها، أنّ ترك أي نقود في المنزل يعني فقدانها عند اقتحامه من قبل قوات الاحتلال". وهذا دفع كثيراً من الفلسطينيين إلى إيداع مدخراتهم في البنوك، وهو ما تؤكده بيانات رسمية لسلطة النقد عن ارتفاع ودائع العملاء في القطاع المصرفي الفلسطيني بنسبة 6.7%. ولا يختلف اثنان على أن السرقة عمل مشين ولا يدخل ضمن صلاحيات أي جيش نظامي. ففي جنين لم يكتف الجيش بالسرقة، بل قام أحدهم بأخذ مبلغ 700 شيكل من شاب فلسطيني وهو كل ما يملكه، وقام بعد النقود أمام صاحبها وقال له إن المجموع هو 400 شيكل وليس 700. استخدم الجندي هذا الأسلوب المستفز بالرغم من أنه يحمل 700 شيكل بيده، في إشارة منه إلى أنه سيأخذ ما يريد من النقود ويعيد ما يريد وهذا فعلاً ما حصل.
استهتار بالكرامة الإنسانيةأثار مقطع فيديو متداول على نطاق واسع، قام بنشره أحد الجنود الإسرائيليين، موجة استنكار عارمة بين أوساط الفلسطينيين، حيث يظهر المقطع اقتحام الجيش لجمعية الجليل للرعاية والتأهيل المجتمعي في جنين، وهي مؤسسة خيرية تقدم خدماتها بشكل أساسي للأشخاص ذوي الإعاقة.
ويوثق المقطع قيام الجنود بتخريب وتدمير محتويات الجمعية، بما في ذلك المعدات الطبية وأجهزة التأهيل والأطراف الاصطناعية الخاصة بذوي الإعاقة. وفي المشهد المستفز، يظهر أحد الجنود وهو يلعب على كرسي متحرك ويتنقل عليه داخل الجمعية، في تصرف ينم عن استهتار وعدم احترام لطبيعة المكان الذي يخدم أكثر فئات المجتمع هشاشة.
ويظهر المقطع أيضاً قيام الجنود بالضحك والتصوير، في تجاهل تام لأي قيم إنسانية أو تعاطف مع الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يستفيدون من خدمات الجمعية. وعكس هذا المشهد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وكرامته.
لمشاهدة الفيديو اضغط هناتذكر هذه الأعمال بأفعال الميليشيات والعصابات الإجرامية، وهي تتنافى قانونياً وأخلاقياً مع ميثاق عمل أي جيش نظامي، بالأخص "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم" وهو ما يُصوّر الجيش الإسرائيلي به نفسه. ومع ذلك، فإن هذا التصوير الذاتي يواجه انتقادات واسعة النطاق من منظمات حقوق الإنسان الدولية، ومنظمات الأمم المتحدة، والعديد من الدول. يرى الفلسطينيون في هذا الوصف نكتة ساخرة، وهذا رأي متفق عليه في الضفة الغربية الخاضعة للحكم العسكري الإسرائيلي، فضلاً عن أهالي قطاع غزة.
يمنع القانون الدولي الجيش النظامي من نهب الممتلكات أو تدميرها أو الاستيلاء عليها، وتؤكد اتفاقية جنيف الرابعة أن حماية الممتلكات المدنية هي من أهم مسؤوليات الجيش النظامي، وتعتبر سرقة المقتنيات انتهاكاً صارخاً للقانون.
دروع بشريةوللجيش الإسرائيلي سجل طويل في استخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية، أبرزها ما وثقته عدسات الصحفيين في جنين مؤخراً، عندما اضطر الجيش للاعتراف بتقييد جنوده جريحاً فلسطينياً على الغطاء الأمامي لمركبة عسكرية في جنين، في "انتهاك للقواعد العملياتية". استخدام المدنيين دروعاً بشرية جريمة حرب خطيرة محظورة في القانون الدولي. ولم يكتف الجيش بذلك، بل منع المسعفين من الوصول إلى الجريح.
لمشاهدة الفيديو اضغط هناتحول مخيم جنين إلى مدينة أشباح بعد تهجير سكانه البالغ عددهم 21 ألفاً، بالتزامن مع الحرب المستمرة في الضفة الغربية وغزة. لا أحد يعيش في المخيم، ويمنع الجيش عودة الفلسطينيين إليه بإطلاق النار على كل ما يتحرك. دمر الجيش 200 منزل بالكامل، وأصبح 400 منزل آخر غير صالح للسكن.
أدى هذا النهج إلى تهجير أهالي مخيم جنين وتشريد أطفالهم ونسائهم، وكان الهجوم العسكري غير متناسب مع التهديد الذي يشكله وجود مسلحين في المخيم. تسببت الهجمات في خسائر فادحة في أرواح الفلسطينيين وأضراراً بالغة في البنية التحتية. تحول المخيم إلى "غزة مصغرة" من شدة الدمار، ولم يعد هناك ما يدل على وجوده. يرى خبراء القانون الدولي أن ما يعتبره الجيش الإسرائيلي مكسباً عسكرياً في جنين هو انتحار سياسي وأخلاقي.
أطماع توسعية تسعى العصابات والميليشيات إلى تحقيق أهداف خاصة، مثل السيطرة على مناطق أو موارد أو فرض أجندات سياسية أو دينية، بينما الجيش النظامي مكلف بحماية دولته والدفاع عن سيادتها. إصرار إسرائيل على وصف جيشها بالأكثر أخلاقية يستدعي التذكير بأن جنين والأراضي الفلسطينية المحتلة الأخرى تقع خارج حدود إسرائيل القانونية. الحكومة الإسرائيلية المتطرفة دينياً وسياسياً تقود جيشاً بأهداف تمثل أطماعها. حماية الدولة تكون داخل حدودها، ولا يعقل أن تدافع السعودية عن نفسها وسيادتها من خلال احتلال الأراضي الإماراتية أو تهجير سكانها مثلاً.
هذا ما أكده وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي قائلاً: "إذا نظرتم إلى سياسات إسرائيل في جميع أنحاء المنطقة، من غزة إلى الضفة الغربية ولبنان وسوريا، سنرى نمطاً من التصعيد تحت ذرائع زائفة لتحقيق هدف إستراتيجي متمثل في التوسع الإقليمي على حساب الدول العربية المجاورة".
دوز