ائتلاف دفاعي عربي لن يشارك في مغامرة ضد إيران
يرى تسفي برئيل أن الأردن يواجه معضلة صعبة في ظل تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، فمن ناحية، يربطه علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والسعودية، اللتين تدعمان إسرائيل ضد إيران، ومن ناحية أخرى، يخشى الأردن من تهديد إيران، خاصة بعد إعلانها عن استعدادها لتدريب وتسليح 12 ألف أردني لمقاومة إسرائيل.
خرج الكثير من المواطنين في الأردن، ليل السبت الماضي، إلى الشوارع في عمّان من أجل رؤية المشهد الذي لم يروه خلال سنوات الصراع الإسرائيلي – العربي. الطائرات الأردنية تعترض المسيّرات الإيرانية في الطريق لمهاجمة إسرائيل. وحسب التقديرات في الأردن، فإن سلاح الجو الأردني نجح في اعتراض تقريباً 20 في المئة من المسيّرات التي حلّقت في مجاله الجوي، بالإجمال بضع عشرات من المسيّرات الإيرانية التي انتشرت شظاياها في أرجاء الدولة. هذه المفارقة للأردن تثير التفكير. فقط في ذاك الصباح، مثلما تعودوا أن يفعلوا منذ أسابيع، تجمع مئات المواطنين للتظاهر قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان للاحتجاج على الحرب في القطاع، وطلبوا من الحكومة قطع العلاقات مع إسرائيل.
"لا يريدون، لا يوجد إذا"
وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي هو من المنتقدين الشديدين جداً لسياسة إسرائيل، دعا مؤخراً إلى تقديم إسرائيل للمحاكمة على جرائم حربها في غزة. في تشرين الثاني في "منتدى البحر المتوسط" في برشلونة، قال الصفدي: إنه إزاء سلوك إسرائيل فإن "اتفاق السلام بينها وبين الأردن موضوع على الرف ويعلوه الغبار". الأردن أعاد سفيره من تل أبيب وأعلن أنه لن يوقع مع إسرائيل على اتفاقية الكهرباء مقابل المياه، التي كانت ستوقع حتى قبل الحرب، وهذه خطوة استدعت رداً بارداً ومثيراً للغضب من قبل رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت، الذي عمل في حينه على الدفع قدماً بهذه الاتفاقية. "لا يريدون، لا يجب إذاً"، أعلن بينيت. "أنا يمكنني القول وبوضوح، إنه يوجد لإسرائيل ما يكفي من مصادر الطاقة للكهرباء، أما الأردن فلا يوجد لديه ما يكفي من المياه لسكانه. إذا كان زعماء الأردن يريدون أن يكون مواطنوهم عطشى فهذا من حقهم".
العلاقات الأردنية
على مستوى القيادة لا يوجد تقريباً أي حوار بين رئيس الحكومة نتنياهو والملك عبد الله. أساس العلاقة جرى عبر الأجهزة الأمنية في الدولتين. ولا يقل أهمية عن ذلك هو أن الأردن غير مشارك في النقاشات حول "اليوم التالي" في القطاع. هذا رغم أنه يمكن أن يكون لأي قرار سيتم اتخاذه تداعيات على مكانته وعلاقاته مع الحكومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية. وكـ "هدية ترضية" فإن إسرائيل سمحت للأردن بإنزال مساعدات إنسانية للقطاع من الجو، والآن في ساعة اختبار حاسمة وقفت المملكة إلى جانب التحالف الإقليمي المؤيد لأميركا والذي سعى الرئيس بايدن إلى إقامته.
تهديد إيران
قام الأردن بدوره بشكل منقطع النظير كجزء من سور الدفاع الجوي حول إسرائيل، رغم طبقة الجليد التي تغلف علاقته مع إسرائيل فإن تهديد إيران يقض مضاجع المسؤولين في عمّان مثلما هي الحال في القدس. فقط مؤخراً أعلن القائد العسكري في مليشيا "حزب الله" في العراق، أكبر المليشيات الموالية لإيران والتي تعمل في العراق، عن الاستعداد لتدريب وتسليح 12 ألف أردني يكونون مستعدين للانضمام لجبهة المقاومة ضد إسرائيل.
ترميم العلاقات
عندما تحظى الأهمية العليا لائتلاف دولي يضم دولاً عربية بدليل واضح جداً مثلما في وقت الهجوم على إسرائيل، فإنه مطلوب إسهام جوهري من الأخيرة من أجل ترميم العلاقات مع المملكة الجارة. إسهام لا يمكن أن يكون مقتصراً فقط على التعاون الاستخباري. أمن واستقرار الأردن مرتبطان بشكل عميق بالتطورات في غزة والضفة الغربية، وبهذه لا يوجد لعمّان عنوان في إسرائيل.
التطبيع مع إيران
الأردن ليس الدولة العربية الوحيدة التي تضطر إلى المراوغة بين التزامها بالتحالف الإقليمي ومصالحها، من بين ذلك الحفاظ على الاستقرار الداخلي وهدوء جماهيري في الداخل، وبين هذه وبين علاقاتها مع إسرائيل. السعودية، التي ردها الرسمي على الهجوم الإيراني كان مائعاً بدرجة معينة، اكتفت بالتعبير عن القلق من تدهور الوضع إلى حرب إقليمية. الرياض توجد لها علاقات وثيقة مع طهران منذ استئناف العلاقات معها في آذار 2023. وهي الخطوة التي بفضلها تحظى بالهدوء من هجمات الحوثيين الذين تجري معهم مفاوضات متقدمة لإنهاء الحرب في اليمن. السعودية شريكة أيضاً في مجموعة الدول التي تعمل على إنقاذ لبنان من الأزمة السياسية والاقتصادية التي يوجد فيها منذ خمس سنوات. في هذه القضية السعودية تجري اتصالات مستمرة مع إيران.
"الردع"
سيتعين على الدول العربية المؤيدة لأميركا الآن أن تفحص جيداً معنى مفهوم "الردع" في السياق الأميركي والإسرائيلي من أجل تشكيل علاقتها مع إيران. استخدم الرئيس الأميركي مرتين تعبير "إياكم" تجاه إيران، وفي المرتين لم يوقف الهجوم. تحريك حاملات الطائرات إلى البحر المتوسط والمنظومة العسكرية الكبيرة التي أقامتها أميركا وبريطانيا ودول أخرى في البحر الأحمر والحضور العسكري الكبير في المنطقة، والرسائل التهديدية التي أرسلتها واشنطن إلى طهران من خلال دول وساطة، كل ذلك نجح كما يبدو في منع هجوم أوسع من قبل إيران. ولكن لم يكن فيها ما من شأنه أن يوقف هجمات الحوثيين أو المليشيات الشيعية في العراق.
مسار دفاع مفضل
لم تنس السعودية واتحاد الإمارات كيف أنهما بقيتا وحدهما أمام هجمات الحوثيين والمليشيات الشيعية على أهداف داخل حدودهما في 2019 و2021، ومنقوشة بشكل خاص في ذاكرتهما أقوال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي عرض على الرياض المساعدة لكن فقط مقابل الدفع. عندما تسعى السعودية إلى اتفاق دفاع مشترك مع الولايات المتحدة فإنه يتعين عليها في المقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ورغم أنها عبرت عن الرغبة في القيام بدورها في الصفقة، فإن المملكة تجد أن هذا الاتفاق أصبح رهينة لسياسة إسرائيل التي تعرض المنطقة للخطر. الآن، حيث الرئيس بايدن يقف إلى جانب ما يمكن أن يفسر كسور دفاع ضد الهجوم على إيران، فإن الرياض وأبو ظبي يمكن أن تعطي أهمية أكبر للعلاقات مع إيران كمسار دفاع مفضل بدلاً من الانضمام لتحالف مقاتل، خاصة عندما يكون أحد الشركاء الرئيسيّين فيه هو إسرائيل.
الكاتب: تسفي برئيل/ هآرتس
2024-04-16 || 12:54