حكاية أغنية: بالأخضر كفّناه بالأحمر كفّناه
رحل عز الدين المناصرة، آخر الشعراء الفلسطينيين الأربعة الكبار، متأثراً يإصابته بفيروس كورونا. عرفه كثيرون من ديوان عنب الخليل وقصيدة جفرا، وعرفوه من قصيدة "بالأخضر كفناه" والتي غناها مارسيل خليفة.
كان الشاعر العربي الفلسطيني عز الدين المناصرة في بيروت أثناء حصار بيروت عام 1982، وكان زميله بالسكن فدائي أردني من قرية حوّارة بمحافظة إربد.
لم يكن يعرف الشاعر المناصرة عن هذا الفدائي سوى أن اسمه الحركي "زياد القاسم"، وأن زياد هذا له شقيق فدائي آخر جاء معه من الأردن، حيث كان من مقتضيات العمل الفدائي والسلوك الثوري ومن ضرورات الأمن في تلك الفترة أن لا يسألوا عن الأصول والمنابت ولا عن الاسم الصريح، فكل التعامل والمعرفة كانت في حينها عن طريق الاسم الحركي.
وكان الاسم الحركي في حينها بمثابة بطاقة الاسم والهوية التعريفية الجديدة للمناضل والفدائي والذي يتخذه بمجرد أن ينخرط في العمل الفدائي، بحيث يختار المناضل اسما غير اسمه الحقيقي للتواصل مع الآخرين والتعريف عليه، وكان هذا الاسم هو ما يطلق عليه مصطلح الاسم الحركي، وهذا الاسم عادة ما يكون تيمنا بمناضل سابق أو أسير أو شهيد أو علم من أعلام السيرة العربية والإسلامية أو الثوار العالميين والغاية منه ابتداءً أمنية وثانيا بهدف إحياء سيرة ونهج الثوار والرواد الأوائل والاقتداء بهم والسير على نهجهم وحفظا لذكراهم، وثالثا وهو الأهم نكران الذات في سبيل الشعب والفكرة والثورة وتغييب صيغة المفرد والأنا لصالح الفكرة الجمعية نحن.

يقول الشاعر الدكتور عزالدين مناصرة: "كنا نعيش معا متآخين همنا الثورة"، و يذكر كيف أن والدة الشهيد "زياد" كانت تحضر إلى لبنان بلباسها الشعبي كي تطمئن على أولادها "وتقابلنا جميعا وتحتضننا وتطمئن علينا جميعا ومن ثم تودعنا كلنا كأننا أولادها".
ويتابع الشاعر الكبير عز الدين المناصرة الحكاية فيقول: استشهد زياد في إحدى المعارك البطولية ضد العدو الصهيوني في بيروت، ومن شدة القصف المتواصل على بيروت لم يستطيعوا أن يدفنوا زياد إلا بعد 3 أيام عندما هدأ القصف، وفي أثناء مراسم الدفن تصادف وجود أم فلسطينية "ختيارة" حاضرة لمراسم التشييع وقالت بلهجتها العامية البسيطة "سبحان الله جرحه لسة أخضر" أي أن جرحه ما زال ينزف.
علقت كلمات العجوز البسيطة في عقل وذهن الشاعر الفلسطيني عز الدين مناصرة لتنفجر فيما بعد قريحة الشاعر ليكتب بعدها قصيدته الشهيرة بالأخضر كفناه.
سمع الموسيقار مارسيل خليفه القصيدة والقصة التي كانت السبب في القصيدة، فلحن القصيدة وغناها ونشرها بالوطن العربي.
وكان مارسيل قد غنى قصيدة الشاعر المناصرة (بالأخضر كفناه) عام 1984 في ملعب الصفا في بيروت أمام (مائة ألف متفرج).
زار الشاعر عز الدين مناصرة منزل الشهيد زياد سليمان طناش الشطناوي في منطقة حوارة في إربد، ونقل لذويه ولأمه التي كانت تزورهم دائما في بيروت خبر استشهاد ابنها زياد، ولتلك الزيارة وتفاصيلها والشجن والعبق الذي اكتنفها حكاية أخرى لها فصول مبكية سنوردها في مقام آخر. وعلى إثر هذه الحادثة المبكية والموجعة حد التعب كانت هذه القصيدة وهذه الاغنية.
بالأخضر كفناهبالأخضر كفّناه بالأحمر كفّناهبالأبيض كفّناه بالأسود كفّناهلا الريح تحاسبنا إن أخطأنا لا الرمل الأصفرلا الموج ينادينا إن خطف النوم أعينناوالورد إحمرّيا دمَهُ النازف إن كنت عذاباً يومياًلا تصفرّكلمات: عز الدين المناصرة
ألحان: مارسيل خليفة
تاريخ: 1984
المصدر: الحوار المتمدن
2021-04-05 || 12:05